فضل شاكر مجدداً في قلب العاصفة.. صراع الدين والمال داخل مخيم عين الحلوة

2025.09.11 - 01:19
Facebook Share
طباعة

عاد اسم الفنان اللبناني فضل شاكر إلى الواجهة من جديد، ليس من باب الفن هذه المرة، بل في سياق أمني معقد داخل مخيم عين الحلوة في صيدا. فقد شهد حي المنشية توتراً بعد محاولة مجموعة شبان مهاجمة منزله وإحراقه، في خطوة عكست تداخل العوامل الدينية والأمنية والمالية داخل أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان.

 

وفق مصادر مطلعة، قاد الشاب محمد جمال حمد – وهو في العشرينات وخرج حديثاً من السجن – محاولة التوجه إلى منزل شاكر، بمشاركة محمود منصور، أحد أبرز وجوه تنظيم "الشباب المسلم" الذي يقود مجموعة متشددة داخل المخيم. هؤلاء الشبان اعترضوا على عودة شاكر للغناء من داخل منطقة يعتبرونها خاضعة لسلطتهم.

لكن خلفية الحادثة لم تتوقف عند الاعتراض الديني، بل ارتبطت أيضاً بخلافات مالية. فشاكر الذي يقيم منذ سنوات في حي المنشية كان يدفع مبالغ مالية شهرية لضمان بقائه آمناً داخل المخيم، ومع عودته إلى الساحة الفنية ونجاحه المتجدد ارتفعت مطالب تلك المجموعات، ما دفعها إلى افتعال إشكال للضغط عليه وزيادة ما يُعرف محلياً بـ"الخوة".

وساطات لاحتواء الأزمة

تدخل هيثم الشعبي، أحد أبرز المطلوبين داخل المخيم، على خط المعالجة، مدافعاً عن شاكر ومسعياً إلى تهدئة التوتر. وقد عُقد اجتماع ليلي ضم عدداً من المعنيين، أسفر عن مقترح مبدئي يسمح لشاكر بإنهاء التزاماته الفنية الحالية، خصوصاً إصدار ألبوم جديد، على أن يتوقف لاحقاً عن الغناء داخل المخيم. ورغم ذلك، يبقى الاتفاق هشاً وغير نهائي.

 

ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها فضل شاكر لمحاولة اعتداء أو تهديد داخل عين الحلوة. ففي مرات سابقة، جرى تضييق الخناق عليه مع كل عودة تدريجية له إلى الوسط الفني. ويُنظر إلى وجوده داخل المخيم على أنه ملف شائك، يجمع بين حسابات فنية وشخصية من جهة، وتشابكات أمنية وتنظيمية من جهة أخرى.

حملات مواكبة

تزامناً مع الحادثة، نشطت منصات التواصل الاجتماعي ووسائل إعلامية في تداول القضية، وسط اتهامات بأن ما جرى يدخل ضمن حملة ممنهجة تستهدف شاكر بعد النجاح اللافت لأغانيه الأخيرة. ويشير متابعون إلى أن تكرار هذه الحملات مع كل عودة فنية للفنان يعكس صراعاً أكبر يتجاوز مسألة "الغناء المحرم" إلى حسابات تنافسية وإعلامية.

 


تكشف حادثة عين الحلوة عن هشاشة الوضع الأمني داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث تتقاطع السلطة الفعلية للجماعات المتشددة مع الحسابات المالية والفنية والشخصية. فضل شاكر، الذي تحول من نجم غنائي إلى شخصية مثيرة للجدل بعد تورطه في معارك عبرا عام 2013 وعودته لاحقاً إلى الفن، يظل نموذجاً لصعوبة الفصل بين الفن والسياسة والأمن في بيئة مشبعة بالتوترات.


ويعيش مخيم عين الحلوة منذ سنوات على وقع توترات متكررة، تجعل منه بؤرة حساسة في الجنوب اللبناني. فالمخيم الذي يضم أكثر من 80 ألف لاجئ فلسطيني بحسب تقديرات غير رسمية، تحكمه معادلات أمنية معقدة، حيث تنتشر عشرات المجموعات المسلحة ذات المرجعيات الفكرية والسياسية المختلفة، من الفصائل الفلسطينية التقليدية إلى التنظيمات الإسلامية المتشددة.

ويُنظر إلى حي المنشية، حيث يقيم فضل شاكر، كأحد أكثر الأحياء حساسية داخل المخيم، نظراً لوجود جماعات متشددة تفرض سلطتها عملياً على السكان. هذه الجماعات تمارس أنماطاً من "الجباية" أو ما يعرف محلياً بـ"الخوة"، ما يجعل أي شخصية بارزة أو ميسورة عرضة للابتزاز المالي والأمني.

التوتر الأخير يعكس هشاشة الوضع الأمني العام، حيث يكفي خلاف مالي أو اعتراض عقائدي ليفجر مواجهة قد تتطور إلى اشتباكات مسلحة. وفي ظل غياب سلطة الدولة اللبنانية عن داخل المخيمات، يعتمد الاستقرار غالباً على تفاهمات هشة بين القوى المحلية، أو تدخل وسطاء نافذين مثل هيثم الشعبي وغيره.

ويجمع مراقبون أن ما جرى مع فضل شاكر ليس حادثة معزولة، بل مؤشر على واقع أكثر عمقاً، إذ تتحول المخيمات إلى فضاء تتداخل فيه الأبعاد الاجتماعية والفنية والمالية مع الحسابات السياسية والتنظيمية. وهو ما يجعل أي حدث صغير قابلاً للتصعيد بشكل سريع في ظل حالة الاحتقان الدائم.

 


من النجومية إلى معارك عبرا والعودة إلى الفن

بدأ فضل شاكر مسيرته كواحد من أبرز نجوم الغناء العربي في مطلع الألفية، حيث اشتهر بصوته العاطفي وأغانيه الرومانسية التي حققت انتشاراً واسعاً. لكن مساره الفني تبدل جذرياً عام 2012 حين أعلن اعتزاله الغناء متأثراً بالشيخ أحمد الأسير في صيدا، لينتقل من عالم الفن إلى خطاب ديني متشدد.

في يونيو 2013، اندلعت معارك عبرا بين أنصار الأسير والجيش اللبناني، وشارك شاكر إلى جانب الأسير في تلك المواجهات التي خلفت عشرات القتلى. بعد سقوط الأسير ومجموعته، اختفى شاكر داخل مخيم عين الحلوة ليصبح مطلوباً للقضاء اللبناني.

لاحقاً، صدرت بحقه أحكام قضائية قاسية وصلت إلى السجن 15 عاماً مع الأشغال الشاقة، قبل أن تبرئه المحكمة العسكرية في 2017 من تهمة قتل عسكريين، مع الإبقاء على إدانات أقل خطورة. هذا الحكم أثار جدلاً واسعاً بين من اعتبره تساهلاً قضائياً ومن رآه تصحيحاً لاتهامات مبالغ فيها.

مع مرور السنوات، بدأ شاكر بالظهور مجدداً في الوسط الفني. ففي 2018 أطلق أولى أغنياته بعد غياب طويل، لتعود بقوة إلى قائمة الأكثر استماعاً، وهو ما عزز الانقسام حوله: فريق رحب بعودته كفنان "استعاد مكانته"، وآخر ظل يعتبره "رمزاً لتجربة غير محسومة قضائياً".

هذه المسيرة المتقلبة تجعل أي حادث أمني يطال شاكر، مثل محاولة الاعتداء الأخيرة في عين الحلوة، جزءاً من سياق أوسع يرتبط بتاريخ شخصيته المثيرة للجدل، حيث يتقاطع الفن بالدين بالسياسة والأمن في صورة واحدة.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 5