يحيي الأمريكيون هذا الخميس الذكرى الـ24 لهجمات 11 سبتمبر 2001، في مراسم رسمية وأعمال تطوعية وفعاليات تكريم للضحايا في نيويورك والبنتاغون ومدينة شانكسفيل بولاية بنسلفانيا. يجتمع في هذه الفعاليات أقارب نحو ثلاثة آلاف ضحية مع شخصيات رسمية وسياسيين، بينما يختار آخرون الاحتفال بذكراهم في لقاءات أكثر خصوصية وحميمية، لتظل ذكرى هذا اليوم محطة أساسية في التاريخ الأمريكي المعاصر.
صباح الصدمة: أربع رحلات مدنية غيرت مجرى التاريخ
في صباح 11 سبتمبر، شهدت الولايات المتحدة سلسلة من الأحداث الإرهابية غير المسبوقة. أربعة رحلات مدنية أمريكية اختُطفت في دقائق معدودة لتصبح الطائرات أدوات للهجوم المباشر على أهداف مدنية وعسكرية. اصطدمت الطائرة رقم 11 ببرج مركز التجارة العالمي الشمالي الساعة 08:46 صباحًا، فيما ضربت الطائرة رقم 175 البرج الجنوبي الساعة 09:03. أما الطائرة رقم 77، فاستهدفت البنتاغون، بينما تحطمت الطائرة رقم 93 قرب شانكسفيل بعد مقاومة الركاب البطولية، مانعة وصولها إلى هدفها المحتمل في العاصمة واشنطن.
بلغ عدد الضحايا نحو 2,977 شخصًا، من بينهم مدنيون وعسكريون، بينما أصيب آلاف آخرون بجروح متفاوتة. الدمار الاقتصادي والمادي كان هائلًا، إذ انهار مركز التجارة العالمي بالكامل وتضررت الأبنية المحيطة بشكل كبير، مما ألقى بظلاله على الأسواق والبنية التحتية الأمريكية.
البنتاغون: المبنى الخماسي ورمز القوة الأمريكية
وُضع حجر أساس البنتاغون في 11 سبتمبر 1941، ليصبح مركزًا موحدًا لإدارة وزارة الحرب الأمريكية، التي كانت موزعة على 23 مبنى بالعاصمة واشنطن. تصميم المبنى الخماسي لم يكن جماليًا فحسب، بل عمليًا أيضًا، حيث ساعد على توزيع الضغط بشكل متساوٍ وزيادة متانة المبنى، كما يمثل فروع الجيش الأمريكي الخمسة: الجيش، القوات البحرية، القوات الجوية، مشاة البحرية، وقوات الفضاء.
شارك في البناء حوالي 15 ألف عامل و14 ألف حرفي وألف مهندس معماري، واستمر العمل لمدة 16 شهرًا، بتكلفة 83 مليون دولار (ما يعادل 1.33 مليار دولار بمعيار 2023). البنتاغون صُمم ليكون رمزًا للقوة العسكرية الأمريكية ولإدارة العمليات العسكرية بكفاءة أثناء الأزمات.
هجوم الطائرة على البنتاغون: كارثة ونجاة جزئية
في يوم 11 سبتمبر، اختطف خمسة إرهابيين الطائرة رقم 77 بقيادة هاني حنجور بعد حوالي 31 دقيقة من إقلاعها من مطار واشنطن دالاس الدولي. أبعدوا الطاقم عن مقصورة القيادة، وتوجهوا بالطائرة نحو البنتاغون، حيث اصطدمت الطائرة بالجانب الغربي، مسببة كرة نارية هائلة وأضرار جسيمة بالواجهة.
أسفر الهجوم عن مقتل 189 شخصًا، بينهم 125 داخل المبنى و64 كانوا على متن الطائرة، بما فيهم الخاطفون الخمسة. على الرغم من الدمار، استمر مركز القيادة العسكرية الوطنية بالعمل بفضل الإجراءات الهندسية والاحترازية، ما منع انهيار كامل للعمليات العسكرية الأمريكية.
إعادة البناء والنصب التذكاري: صمود وتكريم الأبطال
أُعيد بناء الجزء المتضرر من البنتاغون بعد عام من الهجوم. وفي عام 2008، افتتح "نصب البنتاغون التذكاري" الذي يضم 184 مقعدًا تمثل عدد الضحايا، مرتبة وفق أعمارهم، بتكلفة بلغت 22 مليون دولار. يمثل النصب رمزًا للصمود الأمريكي وتكريمًا لأولئك الذين فقدوا حياتهم، مع توفير مساحة للتأمل والتذكر للأجيال القادمة.
نيويورك وشانكسفيل: مأساة المدنيين وبطولة الركاب
في نيويورك، انهارا برجا مركز التجارة العالمي بعد اصطدام الطائرات، مخلفين آلاف القتلى والجرحى وتدمير كامل للبنية التحتية المحيطة. أما رحلة رقم 93، فقد تحطمت قرب شانكسفيل بعد مقاومة الركاب البطولية، مانعة وصول الطائرة إلى هدفها المحتمل في العاصمة. هذه الأفعال البطولية الفردية أثبتت أن الشجاعة الإنسانية يمكن أن تحد من حجم الكارثة، رغم الهجمات المنسقة والمؤلمة.
آثار هذه الأحداث امتدت لتشمل آلاف العاملين في عمليات الإنقاذ والإخلاء، الذين أصيبوا لاحقًا بأمراض مزمنة ناجمة عن استنشاق الغبار والمواد الكيميائية الناتجة عن انهيار المباني.
الأثر الإنساني: ضحايا وإصابات طويلة المدى
لم تقتصر الخسائر على القتلى والجرحى، بل شملت الآلاف من العاملين في الإنقاذ والإخلاء، إضافة إلى أولئك الذين أصيبوا بأمراض مزمنة لاحقًا. أصبحت ذكرى 11 سبتمبر رمزًا للوحدة الوطنية، تجمع بين الحزن على الماضي والدروس المستفادة للأجيال القادمة حول مواجهة التهديدات وحفظ الأمن العالمي.
الدروس الأمنية والسياسية: إعادة هيكلة الولايات المتحدة
أرغمت الهجمات الولايات المتحدة على إعادة هيكلة سياساتها الأمنية والعسكرية:
إنشاء وزارة الأمن الداخلي لتعزيز الرقابة الداخلية وحماية البنية التحتية الحيوية.
تشديد إجراءات المراقبة على المطارات والحدود ورفع مستوى التأهب العسكري والمدني.
التدخلات العسكرية الدولية، بما في ذلك غزو أفغانستان عام 2001، وتدخلات لاحقة في الشرق الأوسط.
تغييرات كبيرة في السياسات الدولية والاقتصاد العالمي، مع إدراك هشاشة الأمن أمام الهجمات الحديثة وتقنيات الطائرات المسيرة.
إحياء الذكرى بعد 24 عامًا: الوحدة والتكريم
تستمر الاحتفالات السنوية لتذكير الأجيال الجديدة بقيمة السلام والوحدة الوطنية، وتكريم الضحايا:
في نيويورك، تتلى أسماء الضحايا بصوت عالٍ في مراسم يحضرها نائب الرئيس جي دي فانس وزوجته، مع لحظات صمت دقيقة عند توقيت الاصطدام والانهيار.
في البنتاغون، تُقام مراسم لتكريم 184 شخصًا من العسكريين والمدنيين، بحضور الرئيس دونالد ترامب والسيدة الأولى ميلانيا ترامب.
تتوج الاحتفالات بمباراة بيسبول رمزية في حي برونكس بين نيويورك يانكيز وديترويت تايجرز، كرمز للصمود والوحدة الوطنية.
تظل ذكرى 11 سبتمبر محطة أساسية في التاريخ المعاصر، درسًا للبشرية حول هشاشة الأمن العالمي، قوة الإرادة الإنسانية في مواجهة الكوارث، وأهمية التضامن الوطني لمواجهة التهديدات المعاصرة.