أمن وطني بلا دفاع... لبنان بين الوعود والمخاطر

2025.09.11 - 10:09
Facebook Share
طباعة

 
يثير النقاش حول مفهوم الاستراتيجية الدفاعية والأمن الوطني في لبنان جدلاً سياسياً متجدداً، إذ يلامس جوهر السيادة ومصادر القوة، ويضع البلاد أمام سؤال مصيري: كيف يمكن أن نحمي الوطن في زمن تتسارع فيه التحديات الإقليمية والدولية؟


ففي الوقت الذي اعتبر فيه رئيس الوزراء نواف سلام أنّ المطلوب اليوم هو «استراتيجية أمن وطني» وليست «استراتيجية دفاعية»، بدا وكأنه يعيد تعريف أولويات الدولة من جديد، لكن بطرح يحمل الكثير من الغموض والفراغ. فالأمن الوطني ــ بمفهومه الواسع ــ يشكّل المظلّة الشاملة التي تحدد المخاطر والسياسات، غير أن هذه المظلّة لا يمكن أن تكون ذات معنى من دون ركيزة دفاعية صلبة قادرة على مواجهة العدوان.


بين الأمن والدفاع... جدلية غامضة
عندما يُقال إن المطلوب «استراتيجية أمن وطني» لا «استراتيجية دفاعية»، يتبادر إلى الذهن سؤال بسيط: كيف يمكن حماية الأمن بلا قدرة ردع أو أدوات حماية واضحة؟ فالاستراتيجية الدفاعية، في أي دولة، ليست خياراً ثانوياً بل جزءاً بنيوياً من منظومة الأمن الوطني. وغيابها يعني عملياً الاكتفاء بالخطاب والوعود من دون آليات حماية.


ويأتي هذا النقاش في توقيت بالغ الحساسية، تزامناً مع التصعيد الإسرائيلي الأخير في المنطقة، ومحاولة اغتيال قيادة حركة حماس في الدوحة، وهو حدث نسف عملياً الرهان القديم على «المظلّة الأميركية» باعتبارها ضمانة ردع أمام الاعتداءات الإسرائيلية. فما جرى أظهر بوضوح أن الأمن لا يُصان بالوعود الدولية بل بالقدرات الفعلية.


بدائل غير واقعية
طرح رئيس الحكومة ــ ضمناً ــ ثلاثة بدائل عن صياغة استراتيجية دفاعية واضحة:
الإبقاء على لبنان بلا مظلة ردعية ذاتية.
الرهان على الجيش اللبناني وحده.
التعويل على المؤسسات الدولية أو المظلّة الأميركية.


لكن التجربة التاريخية أثبتت هشاشة هذه البدائل. فلبنان، منذ عقود، كان عرضة لاجتياحات إسرائيلية واعتداءات متكررة. والرهان على الجيش وحده، رغم دوره الوطني، يصطدم بالواقع المالي والتكنولوجي والفارق التدميري الهائل مع الجيش الإسرائيلي. أما التعويل على المجتمع الدولي أو على واشنطن فقد تحوّل إلى رهان خاسر بعد أن أظهرت الأولويات الأميركية انحيازاً دائماً لإسرائيل.


خلفيات سياسية وانقسامات داخلية
هذا الجدل لا ينفصل عن الانقسام السياسي اللبناني. بعض القوى ترفع شعار «احتكار الدولة للسلاح» من دون أن تجيب عن سؤال: كيف ستمنع الدولة العدوان وتردّه؟ آخرون يهونون من الخطر الإسرائيلي أصلاً، أو يراهنون على التحالفات الخارجية. وهناك من يتبنى الخطاب الدولي بحذافيره، حتى لو جاء على حساب عناصر القوة الداخلية التي تمثلها المقاومة.


وبين هذه الاصطفافات، يبدو موقف رئيس الوزراء أقرب إلى إعادة إنتاج الخطاب الأميركي ــ الإسرائيلي الداعي لتجريد لبنان من عناصر قوته، مع ما يحمله ذلك من تصعيد للانقسام الداخلي وتعريض البلاد لفراغ ردعي خطير.


المخاطر والسيناريوهات
الخطر الأكبر يتمثل في تحويل «استراتيجية الأمن الوطني» إلى وثيقة إدارية داخلية لا تُجيب عن السؤال المركزي: كيف ندافع عن لبنان؟. فإذا لم تُقرّ سياسة دفاعية واضحة تحدد العقيدة العسكرية والقدرات والتمويل والأدوار، فإن الوثيقة تتحوّل إلى مجرّد عناوين بلا محتوى.


هذا الفراغ يفتح الباب أمام انهيار معادلات الردع، خصوصاً في ظل العدوانية الإسرائيلية المستمرة والضغوط الدولية لإعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة. وهكذا يجد لبنان نفسه بلا حماية في لحظة إقليمية خطيرة، فيما يُفترض أن يكون النقاش منصبّاً على تعزيز عناصر القوة لا إضعافها.


خلاصة
الأمن الوطني لا يُقاس بالخطابات ولا بالرهان على القوى الخارجية، بل بالقدرة الفعلية على الردع والحماية. وإذا كانت الحكومة اللبنانية جادة في إطلاق استراتيجية وطنية، فإنها مطالبة قبل أي شيء بتحديد السياسة الدفاعية بوضوح، وإلا فإن الحديث عن «الأمن الوطني» لن يكون سوى عنوان فارغ.


والدرس الأبرز من تاريخ لبنان والمنطقة أن السيادة الحقيقية لا تقوم إلا على أساس القوة الدفاعية، لأن الوطن الذي يفتقد إلى استراتيجية ردع يبقى مكشوفاً أمام كل عاصفة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 6