أحدثت محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت قادة حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، زلزالاً سياسياً وأمنياً في إسرائيل، إذ تحولت العملية من "إنجاز" دعائي كان يسعى إليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى عبء ثقيل على حكومته، مع تصاعد الانتقادات الداخلية والخارجية وطرح أسئلة صعبة حول جدوى الخطوة وتداعياتها.
منذ اللحظات الأولى للعملية، سعت الحكومة الإسرائيلية إلى تسويقها بوصفها ضربة نوعية تستهدف "العقل المدبر" للحركة، إلا أن بيان حماس السريع الذي أكد فشل المحاولة، أعاد رسم المشهد بالكامل، وفتح باباً واسعاً من الجدل في الأوساط الإسرائيلية.
انتقادات سياسية واسعة
أجمع محللون سياسيون وعسكريون إسرائيليون على أن استهداف قيادة حماس في الخارج لن يغير موازين القوى، ولن يدفع الحركة للاستسلام أو القبول بصفقة تبادل الأسرى وفق الشروط الإسرائيلية. بل على العكس، رأوا أن العملية زادت من تشدد الحركة، وخلقت أزمة جديدة لإسرائيل على الصعيد الدبلوماسي، خاصة مع تنفيذها داخل قطر، الدولة التي تتمتع بعلاقات معقدة مع تل أبيب والغرب.
وحمّل سياسيون معارضون نتنياهو شخصياً مسؤولية التداعيات، معتبرين أنه يستخدم هذه العمليات للهروب من أزماته الداخلية، من احتجاجات الشارع إلى فضائح الفساد والإخفاق الأمني في القدس.
"هآرتس": رفع الرهان إلى مستوى خطير
المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، اعتبر أن إسرائيل "رهنت كل رصيدها" في الحرب ضد حماس، مشيراً إلى أن تنفيذ عملية في قطر "رفع مبلغ الرهان بشكل كبير".
ورأى هرئيل أن المقربين من نتنياهو حاولوا تسويق العملية كإنجاز إستراتيجي يقرب إسرائيل من الانتصار، لكنه شدد على أن هذا التوصيف مبالغ فيه، خاصة أن مصير المحتجزين في غزة بات أكثر غموضاً، فيما ارتفعت الكلفة الدبلوماسية على إسرائيل.
وأضاف أن مهاجمة أهداف في اليمن أو إيران شيء، أما استهداف قيادات حماس في قطر فله أبعاد سياسية أكثر خطورة، وقد يعقد علاقة تل أبيب مع الدوحة التي لعبت مراراً دور الوسيط في ملفات حساسة.
"يديعوت أحرونوت": تشاؤم داخل الأجهزة الأمنية
رونين بيرغمان، المحلل العسكري والاستخباراتي في صحيفة يديعوت أحرونوت، رصد حالة من التشاؤم العميق داخل الأجهزة الأمنية بعد فشل عملية "قمة النار".
وأوضح بيرغمان أن التفاؤل الذي ساد في البداية لدى سلاح الجو والاستخبارات العسكرية والشاباك، سرعان ما تبدد حين تبيّن أن القادة المستهدفين نجوا. وأكد أن الفشل يعزز الضغوط الدولية على إسرائيل، ويضع أجهزتها الأمنية في موقف صعب أمام الولايات المتحدة والدول العربية.
عملية للهروب من الأزمات؟
أما الإعلامي الإسرائيلي روغيل ألبر، فذهب أبعد من ذلك، معتبراً أن الهدف الحقيقي من العملية لم يكن تصفية القادة، بل "إعادة تشكيل وعي الجمهور الإسرائيلي"، عبر تقديم صورة لرئيس الوزراء باعتباره قائداً قوياً لا يتردد في اتخاذ القرارات الصعبة.
وأشار ألبر إلى أن نتنياهو لعب على وتر المشاعر الوطنية والرغبة في الانتقام بعد أحداث 7 أكتوبر، مستفيداً من العملية لتعزيز صورته أمام الداخل الإسرائيلي، ولو على حساب المخاطر الدبلوماسية.
وأضاف أن العملية حملت رسالة ضمنية بأن الدعم الأميركي مضمون، وبأن الرئيس دونالد ترامب يقف إلى جانب نتنياهو، ما يعقد حسابات خصومه السياسيين.
"معاريف": العملية لم تُحسم بعد
في صحيفة معاريف، كتب المحلل السياسي بن كسبيت أن العملية لا يمكن وصفها بالفاشلة أو الناجحة بشكل نهائي حتى تتضح نتائجها كاملة. لكنه شدد على أن الهدف الأساسي كان ولا يزال إعادة المحتجزين وضمان سلامتهم، معتبراً أن "ضرب قيادة حماس خطوة مهمة، لكنها لا تكفي إن لم تحقق الغاية الإنسانية والسياسية الكبرى".
وكشف كسبيت أن الموافقة على العملية صدرت منذ أسابيع، بمشاركة الشاباك والاستخبارات العسكرية، رغم تحفظات من رئيس الموساد ورئيس الأركان على التوقيت.
مأزق نتنياهو يتعمق
في ضوء هذه التحليلات، يبدو أن محاولة الاغتيال في الدوحة لم تحقق لإسرائيل ما أرادته من مكاسب، بل عمّقت من أزماتها. فحماس لم تُهزم، والمفاوضات بشأن الأسرى ازدادت تعقيداً، فيما ارتفعت حدة الانتقادات داخل إسرائيل وخارجها.
ويرى مراقبون أن نتنياهو يحاول باستمرار تصدير أزماته للخارج، لكنه يغامر برصيد إسرائيل الدبلوماسي والأمني عبر خطوات غير محسوبة، قد تنقلب عليه في أي لحظة.
وبينما تسعى حكومته إلى إظهار القوة، فإن الفشل في الدوحة كشف هشاشة الإستراتيجية الإسرائيلية، وعمّق الانقسام بين أجهزتها الأمنية والسياسية، في وقت تبدو فيه حماس أكثر ثقة بقدرتها على الصمود ومقاومة الضغوط.