مقتل كيرك يكشف عمق الشرخ الأميركي الداخلي

وكالة أنباء آسيا

2025.09.11 - 09:21
Facebook Share
طباعة

 في مشهد صادم هزّ الساحة السياسية والإعلامية الأميركية، قُتل الناشط والمؤثر اليميني المعروف تشارلي كيرك (31 عاماً ) إثر إصابته بطلق ناري أثناء مشاركته في فعالية بولاية يوتا. الحادث، الذي وقع أمام عدسات الهواتف المحمولة، حوّل الجدل الأميركي حول حرية التعبير والسلاح والانقسام السياسي إلى ما يشبه الانفجار، خصوصاً أنه استهدف شخصية مثيرة للجدل عُرفت بولائها للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبمواقفها الحادة ضد اليسار الليبرالي، إضافة إلى دعمها الصريح لإسرائيل.


الرئيس ترامب وصف كيرك بأنه "وطني أسطوري"، وأمر بتنكيس الأعلام في عموم الولايات المتحدة حداداً على رحيله، بينما اعتبر أن "اليسار الراديكالي" مسؤول معنوياً عن الجريمة عبر خطاب شيطنة اليمين. في المقابل، صدرت إدانات واسعة من قيادات الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بمن فيهم الرئيس السابق جو بايدن، الذي شدد على أن العنف السياسي "يجب أن يتوقف فوراً".


لحظة الدم على الهواء
المقاطع المصورة للحادث أظهرت كيرك وهو يجيب عن سؤال حول العنف المسلح، قبل أن تنطلق رصاصة أصابته في عنقه، وسط ذهول الحضور وصيحات الفزع. السلطات في ولاية يوتا وصفت ما حدث بأنه "اغتيال سياسي"، مؤكدة أن مطلق النار كان متمركزاً فوق أحد المباني وأطلق الرصاص من مسافة بعيدة. مكتب التحقيقات الفدرالي أعلن توقيف مشتبه به قبل أن يفرج عنه لاحقاً بعد الاستجواب، فيما يستمر التحقيق وسط وعود بالكشف عن التفاصيل "حرصاً على الشفافية".


مؤثر يميني مثير للجدل
كيرك لم يكن مجرد ناشط شبابي. فمنذ تأسيسه منظمة "تورنينغ بوينت أميركا" عام 2012، برز كأحد أبرز الأصوات اليمينية المؤثرة في الجامعات الأميركية، حيث عمل على مواجهة الأفكار الليبرالية ونشر خطاب قومي محافظ. وقد تحول لاحقاً إلى أحد أقرب الداعمين لترامب، مشاركاً في الحملات الانتخابية ومروّجاً لخطاب "أميركا أولاً".


لكن جانباً آخر من مسيرة كيرك ظل حاضراً بقوة: دعمه العلني لإسرائيل. فقد كان من أشد المؤيدين للسياسات الإسرائيلية، ودافع عنها حتى في أكثر لحظاتها إثارة للجدل، معتبراً أن الوقوف إلى جانب تل أبيب جزء من "الحرب ضد الإرهاب العالمي". هذا الموقف جلب له الإعجاب من مسؤولين إسرائيليين، مثل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذين نعوه بحرارة واعتبروه "صديقاً وفياً لإسرائيل".


انتقادات للدعم الأعمى لإسرائيل
غير أن هذا الدعم لم يكن محل إجماع في الداخل الأميركي. فمع تصاعد الأصوات المنتقدة لسياسات إسرائيل في غزة والضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة، بدا كيرك في نظر كثيرين ممثلاً لجناح أميركي يواصل تبرير الاحتلال والانتهاكات بحجة "الدفاع عن الحرية". وبالنسبة لمنتقديه، فإن دعمه غير المشروط لإسرائيل كان انعكاساً لارتباط غير صحي بين التيارات اليمينية الأميركية وتل أبيب، وهو ارتباط لم يعد يحظى بالقبول الشعبي كما في السابق.


واقع الحال أن الولايات المتحدة تشهد تحولات ملحوظة في الموقف الشعبي من إسرائيل. فاستطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت تزايد نسبة الأميركيين، وخاصة من جيل الشباب، الذين يرفضون الدعم العسكري والسياسي المفتوح لتل أبيب، ويطالبون بمراجعة هذا النهج. ورغم أن المؤسسة السياسية ما تزال تقف بغالبية واضحة خلف إسرائيل، فإن القاعدة الشعبية لم تعد كما كانت قبل عقدين أو ثلاثة، وهو ما يفتح الباب أمام جدل متصاعد داخل واشنطن حول مستقبل هذا الدعم.


إسرائيل في قلب المشهد
اغتيال كيرك منح إسرائيل حضوراً جديداً في السجال الأميركي الداخلي. فقد سارع نتنياهو إلى وصفه بـ"صديق الحقيقة والحرية"، فيما شكر بن غفير الناشط الراحل على "دعمه غير المحدود لإسرائيل"، مستخدماً الحدث لتكرار خطاب يميني يربط بين "اليسار العالمي والإسلام المتطرف" بوصفهما تهديداً مشتركاً. هذه المواقف قوبلت بانتقادات من محللين أميركيين، رأوا أن استغلال حادث مأساوي لترويج سرديات سياسية خارجية يفاقم الانقسام ولا يعالجه.


ترامب والرهان على "الشهيد"
بالنسبة لترامب، كان مقتل كيرك فرصة لتكثيف هجومه على خصومه في اليسار، إذ اعتبره "شهيد الحقيقة والحرية"، متعهداً بملاحقة كل من يحرّض على العنف ضد أنصاره. لكن استخدام لغة "الاستشهاد" في وصف ناشط سياسي داخل الولايات المتحدة أثار جدلاً واسعاً، إذ رأى فيه البعض محاولة لتعبئة القاعدة الانتخابية أكثر منه تعبيراً عن حزن شخصي.


انقسام يهدد الداخل الأميركي
في المحصلة، أعاد اغتيال كيرك تسليط الضوء على هشاشة الوضع الأميركي، حيث تتقاطع أزمة العنف المسلح مع الانقسام السياسي الحاد، وحيث تتحول الشخصيات العامة إلى أهداف في معركة مفتوحة على الهويات والأفكار. ومع أن الحادثة وحّدت مبدئياً الحزبين في إدانة العنف، إلا أن الخطاب الذي تلاها أعاد إنتاج الاستقطاب ذاته: اليمين يتهم اليسار بالتحريض، واليسار يحذر من توظيف الدماء لتعزيز أجندة سياسية.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 10