“اليوم التالي” على الطريقة الأمريكية.. كوشنر يخطط لغزة بلا حماس وبلا سيادة فلسطينية

أماني إبراهيم- وكالة أنباء آسيا

2025.09.10 - 03:26
Facebook Share
طباعة

بعد سنوات من الغياب عن الأضواء منذ انتهاء ولاية ترامب الأولى، يعود جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي، إلى دائرة صناعة القرار من بوابة الملف الفلسطيني. تكليفه بمهمة صياغة خطة "اليوم التالي" في غزة لا يعكس فقط ثقة ترامب في قدرته على إدارة الملفات المعقدة، بل يشير أيضاً إلى توجه أمريكي لإعادة إنتاج دور كوشنر كمبعوث غير رسمي لكنه نافذ، على غرار دوره في إبرام اتفاقيات أبراهام عام 2020.

القناة 12 الإسرائيلية كشفت أن اجتماعاً عُقد في ميامي جمع كوشنر بوزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر والمبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف، حيث جرت مناقشة المبادرة الأمريكية الجديدة لوقف إطلاق النار وما بعد الحرب. الاجتماع يُقرأ باعتباره منصة أولى لصياغة ملامح الخطة التي تحاول واشنطن فرضها كبديل للمبادرات الجزئية التي تعثرت في الشهور الماضية.

محاور الخطة الأمريكية

الخطة التي يعمل عليها كوشنر ترتكز على ثلاثة مسارات متوازية:

1. نزع سلاح حركة حماس، باعتباره المطلب الأساسي لإسرائيل، وهو بند يثير جدلاً واسعاً حول مدى واقعيته في ظل التعقيدات الميدانية.

2. تشكيل حكومة انتقالية لإدارة غزة، تحظى باعتراف دولي وتكون قادرة على ملء الفراغ بعد تراجع سلطة "حماس".

3. انسحاب مرحلي للجيش الإسرائيلي، يتم وفق وتيرة تحددها قدرة الحكومة الجديدة على ضبط الأمن، وصولاً إلى الانسحاب الكامل بما في ذلك من المنطقة العازلة على الحدود.

ملف الأسرى والهدنة

أحد أبرز بنود المقترح يتعلق بترتيب جديد لملف الأسرى:

الإفراج عن جميع الأسرى الأحياء خلال أول 48 ساعة من وقف إطلاق النار.

إعادة جثامين الأسرى القتلى في مراحل لاحقة عبر وساطة غير مباشرة.

وقف إطلاق نار أولي لمدة 60 يوماً، قابل للتمديد إذا استمرت المفاوضات.

هذا البند يعكس محاولة لتجاوز صيغة سابقة كان ترامب قد عرضها، والتي ربطت الإفراج عن الأسرى بيوم الهدنة الأول فقط.

انقسام في المواقف

الموقف الإسرائيلي

ترى إسرائيل أن حركة "حماس" تواجه انقساماً داخلياً حول كيفية التعامل مع المبادرة الأمريكية، وهو ما تعتبره تل أبيب فرصة للضغط وتثبيت شروطها. الموقف الإسرائيلي الرسمي يؤكد أن أي اتفاق لا يمكن أن يكون جزئياً أو مرحلياً، بل يجب أن يضمن بشكل واضح نزع سلاح الحركة بصورة كاملة، باعتباره الشرط الأساسي لانسحاب الجيش من غزة. وتخشى إسرائيل من أن أي صيغة مرنة قد تسمح ببقاء بنية عسكرية ولو محدودة للحركة، ما يهدد إعادة إنتاج المواجهة في المستقبل.

الموقف الفلسطيني (حماس)

من جهتها، تعاملت "حماس" بحذر مع الطرح الأمريكي، معربة عن تشكيكها في الضمانات المقدمة من إدارة ترامب. الحركة تخشى أن يكون المقترح مجرد غطاء يرسخ سيطرة إسرائيلية على وتيرة الانسحاب وعلى مستقبل غزة. كما أشارت إلى أنها بحاجة إلى وقت لتحديد أماكن جثامين الأسرى القتلى، وهو بند قد يُستخدم لتأجيل أو عرقلة مسار التنفيذ وفقاً للجدول الزمني الذي وضعته واشنطن. بالنسبة لـ"حماس"، أي اتفاق لا يضمن انسحاباً كاملاً ونهائياً لإسرائيل سيُنظر إليه كفخ سياسي وعسكري.

الموقف الأمريكي

أما الولايات المتحدة، فتسعى عبر إشراف كوشنر إلى تقديم الخطة باعتبارها رؤية أمريكية مستقلة، لا مجرد نسخة من المطالب الإسرائيلية. واشنطن تحاول الموازنة بين رغبتها في إرضاء إسرائيل من جهة، وضرورة إظهار الخطة كحل متوازن يفتح الباب أمام ترتيبات سياسية جديدة في غزة من جهة أخرى. غير أن هذا التوازن يظل هشاً، إذ ينظر إليه الفلسطينيون على أنه تغطية أمريكية للهيمنة الإسرائيلية، فيما ترى إسرائيل أنه قد لا يذهب بعيداً بما يكفي لتحقيق أهدافها الأمنية.

لماذا كوشنر؟

تكليف ترامب لصهره جاريد كوشنر بملف بالغ الحساسية مثل "اليوم التالي في غزة" يعكس بوضوح ميل الإدارة الأمريكية للاعتماد على الحلقة الضيقة من المقربين، بعيداً عن مؤسسات الدبلوماسية التقليدية مثل الخارجية أو البنتاغون. هذه المقاربة ليست جديدة على ترامب الذي لطالما فضّل العمل عبر شخصيات يثق بها شخصياً، حتى وإن كانت خارج المناصب الرسمية.

إعادة إحياء دور كوشنر في هذا التوقيت يشير أيضاً إلى محاولة استثمار خبرته السابقة في الشرق الأوسط، ولا سيما شبكته الواسعة من العلاقات مع العواصم الخليجية التي ساهمت بشكل مباشر في إنجاح اتفاقيات أبراهام. واشنطن تراهن على أن هذه الروابط يمكن أن تُستخدم لتسويق أي صيغة جديدة بشأن غزة، وربما لإقناع بعض الدول العربية بدعم حكومة انتقالية بديلة عن "حماس".

على مستوى أوسع، يحمل تكليف كوشنر رسالة بأن الولايات المتحدة تسعى إلى إعادة طرح نفسها كلاعب أساسي في صياغة مستقبل غزة، في وقت يتصاعد فيه الدور الإقليمي لمصر وقطر وتركيا في الوساطات والمفاوضات. من خلال هذه الخطوة، يحاول ترامب استعادة زمام المبادرة وإظهار أن واشنطن ما زالت صاحبة الكلمة العليا في الملفات الكبرى بالشرق الأوسط.

في المحصلة، فإن إسناد هذه المهمة لشخصية غير رسمية مثل كوشنر لا يُقرأ كخيار إداري فقط، بل كإشارة سياسية مزدوجة: من جهة إلى الداخل الأمريكي بأن ترامب لا يزال يمتلك فريقه الخاص القادر على إدارة الملفات الكبرى، ومن جهة أخرى إلى الخارج بأن واشنطن مستعدة لاستخدام أدواتها غير التقليدية لمواجهة تعقيدات الساحة الفلسطينية والإقليمية.

خطة "اليوم التالي" التي يعمل عليها كوشنر تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التنافس السياسي والدبلوماسي حول غزة. ورغم أن واشنطن تحاول تقديمها كحل شامل، فإن مصيرها يبقى مرهوناً بتوازنات القوى على الأرض، وبمدى استعداد الأطراف المختلفة ــ من "حماس" وإسرائيل، مروراً بمصر وقطر ــ لقبولها أو تعطيلها. وفي كل الأحوال، فإن عودة كوشنر إلى المشهد تعكس توجه الإدارة الأمريكية نحو إعادة إنتاج أدواتها القديمة لإدارة أكثر الملفات حساسية في الشرق الأوسط. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 8