في تطور جديد يكشف حجم التوتر في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، نقلت شبكة CNN عن مسؤول أمريكي أن الرئيس دونالد ترامب لم يتلقَ إخطار الضربة الإسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة من الحكومة الإسرائيلية، بل من رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين، وذلك قبل وقت قصير فقط من بدء العملية.
المصادر أوضحت أن ترامب فوجئ بالمعلومة، إذ كان يتوقع أن تأتي من إسرائيل بشكل مباشر، لكن ما حدث هو أن الجيش الأمريكي هو من أبلغه بالضربة. وعلى الفور كلف الرئيس مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف بمتابعة التطورات مع الجانب القطري، خاصة أن الأخير يتمتع بعلاقات وثيقة مع مسؤولين كبار في الدوحة.
لكن الوقت كان قد فات؛ فبينما كان ويتكوف يحاول الاتصال بالقطريين كانت الغارات قد بدأت بالفعل، وهو ما زاد من حدة الغضب داخل البيت الأبيض. المفارقة أن ويتكوف كان قد اجتمع قبل يوم واحد فقط مع رون ديرمر، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دون أن يتلقى أي إشارة إلى نية تل أبيب تنفيذ هجوم بهذا الحجم.
ترامب نفسه أبدى انزعاجه الواضح، إذ قال للصحفيين مساء الثلاثاء: "لست سعيدا بالوضع برمته، إنه ليس جيدا، لكنني سأقول هذا، نريد عودة الرهائن، لكننا لسنا سعداء بالططريقة التي سارت بها الأمور". تصريحاته عكست توازناً بين حرصه على ملف الرهائن ورغبته في إظهار استياءه من الطريقة التي اتبعتها إسرائيل.
وليس هذا الموقف الأول الذي يثير حفيظة ترامب تجاه الحكومة الإسرائيلية. ففي يوليو الماضي، فوجئ بضربة إسرائيلية استهدفت العاصمة السورية دمشق دون أي تنسيق مسبق، كما عبّر عن غضبه في وقت سابق من الصيف بعد استهداف الجيش الإسرائيلي لكنيسة كاثوليكية في غزة.
لماذا تجاهلت إسرائيل التنسيق مع واشنطن؟
هذا التجاهل يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة العلاقة الحالية بين إسرائيل والولايات المتحدة. فالتقليد المتبع منذ عقود يقضي بتنسيق العمليات الحساسة مع واشنطن، خصوصاً تلك التي قد تجر تداعيات إقليمية أو تؤثر على مصالح أمريكية مباشرة. لكن في حالة الدوحة، يبدو أن تل أبيب تعمدت التحرك بمفردها.
الحسابات الأمنية الإسرائيلية: ترى إسرائيل أن بعض الأهداف "ذات طابع عاجل" ولا تحتمل انتظار مشاورات مطولة مع واشنطن، خاصة إذا كانت تتعلق بقيادات في حماس أو شبكات دعمها في الخارج.
تراجع الثقة السياسية: منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لم تعد إسرائيل متيقنة من التزامه الكامل بدعم غير مشروط، خصوصاً مع ضغوط أمريكية متزايدة بخصوص ملف غزة.
الرسالة الإقليمية: ضرب الدوحة تحديداً يحمل بعداً رمزياً، فهي عاصمة حليف استراتيجي لواشنطن وتستضيف أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة. تجاوز التنسيق قد يكون رسالة من نتنياهو بأن إسرائيل تتحرك وفق أولوياتها الخاصة، حتى على حساب إحراج البيت الأبيض.
تجاهل التنسيق قد يترك بصماته على المدى القريب في شكل ضغوط داخل أروقة الإدارة الأمريكية لإعادة تقييم آليات العمل المشترك مع تل أبيب. كما قد يفتح الباب أمام نقاش أوسع في الكونغرس حول حدود "الضوء الأخضر" الذي تمنحه واشنطن لإسرائيل في عملياتها الخارجية.
لكن في المقابل، لا يُتوقع أن تصل الأزمة إلى مستوى القطيعة أو فرض قيود عملية، نظراً لأن العلاقة الأمنية والاستخباراتية بين الطرفين لا تزال ركيزة أساسية في الاستراتيجية الأمريكية بالشرق الأوسط، خاصة في ظل تصاعد التحديات من إيران وحلفائها.
في المحصلة، يبدو أن ضربة الدوحة لم تكن مجرد عملية عسكرية منفصلة، بل حلقة جديدة في مشهد إقليمي مضطرب. إسرائيل تسعى لتوسيع نطاق ضرباتها ضد حماس أينما وُجدت، حتى لو كان الثمن توتراً مع أقرب حلفائها. أما واشنطن، فتجد نفسها أمام معضلة مزدوجة: الحفاظ على استقرار علاقتها مع قطر، وعدم خسارة شريكها الإسرائيلي في الوقت ذاته. غضب ترامب من نتنياهو قد يكون مؤشراً على بداية مرحلة جديدة من العلاقات، حيث لم تعد إسرائيل قادرة على المضي قدماً دون أن تضع في اعتبارها حسابات البيت الأبيض.