أزمة صامتة تهدد حياة المرضى في لبنان

رامي عازار

2025.09.09 - 05:03
Facebook Share
طباعة

 في لبنان، تتفاقم أزمة الأدوية بشكل مثير للقلق، إذ تتكدس كميات كبيرة من الأدوية منتهية الصلاحية على رفوف الصيدليات، وسط امتناع الشركات المستوردة عن استرجاعها، ما يخلق قنبلة موقوتة تهدد حياة المرضى وسلامة المجتمع بشكل مباشر.


نقيب الصيادلة وصف الوضع بأنه "أزمة صامتة تهدد القطاع الصحي"، مشيراً إلى أن المشكلة لا تتعلق فقط بالأدوية المزورة أو المهربة، بل اليوم بالأدوية القانونية التي انتهت صلاحيتها والتي لا يستطيع الصيادلة التخلص منها بسبب قيود قانونية. القانون اللبناني يمنع الصيادلة من إتلاف الأدوية داخل البلاد، بينما ترفض الشركات المستوردة استرجاعها، مستندة إلى قرار وزارة الصحة الذي يحظر استرداد الأدوية المنتهية الصلاحية، رغم أن المادة 53 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة تلزم بإعادتها والتخلص منها خارج لبنان.


هذا التراكم يمثل تهديداً مزدوجاً: أولاً، للمريض الذي قد يتعرض لتناول أدوية غير صالحة أو غير فعّالة، وثانياً، للقطاع الصحي نفسه الذي تفقد الثقة فيه، ما يزيد من الضغوط على المجتمع في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة. ومع غياب الرقابة الفعّالة، فإن كل محاولة للتعامل مع هذه الأدوية تصبح محدودة وغير فعّالة، لتبقى الحياة اليومية للمواطن رهينة لجشع تجاري أو تهاون إداري.


الواقع الحالي كشف أيضاً عن ضعف الاعتماد على الإنتاج المحلي. في هذا السياق، شدد وزير الصحة العامة على أهمية دعم المصانع الوطنية والمعامل المحلية، باعتبارها خط الدفاع الاستراتيجي لاستعادة الثقة بالقطاع الصحي، وتعزيز السيادة الدوائية في لبنان. فالاعتماد الكبير على الاستيراد، خصوصاً من الشركات الدولية، يجعل الدولة والقطاع الصحي رهينين لسياسات تلك الشركات وإجراءاتها، والتي غالباً ما تتأثر بالمصالح التجارية أكثر من المصلحة العامة.


وعلى الرغم من ذلك، تحاول وزارة الصحة توسيع نطاق التغطية العلاجية. فقد أُعلنت عن زيادة البروتوكولات العلاجية بنسبة 40% خلال خمسة أشهر، ما رفع عدد المستفيدين من 9,600 إلى 13,400 مريض، مع تغطية حوالي 95% من الحاجات العلاجية الأساسية. كما سهلت الوزارة تسجيل الأدوية المستوردة عبر المناقصات الرسمية لضمان استمرار توفير الأدوية.


لكن هذا التوسع في التغطية ترافق مع زيادة كبيرة في الإنفاق على الدواء، بنسبة تصل إلى 400%، ما يضع عبئاً إضافياً على ميزانية الدولة والجهات الضامنة، دون أن يحل الأزمة الجذرية المتمثلة في تراكم الأدوية منتهية الصلاحية.


استمرار تصريف هذه الأدوية، سواء كانت مزورة أو منتهية الصلاحية، يعكس غياب المحاسبة الفعلية، ويؤكد ضرورة تفعيل الأجهزة الرقابية بشكل عاجل. فالمسألة ليست مسألة قانون فقط، بل تتعلق بمبدأ أساسي: حماية صحة المواطن، وضمان أن لا تتحول حياته إلى رهينة لنقص الرقابة أو جشع تجاري.


من منظور استراتيجي، يتطلب الوضع الحالي ثلاث خطوات متزامنة: أولاً، دعم وتشجيع الإنتاج المحلي للأدوية لضمان سيطرة لبنان على سوقه الدوائي. ثانياً، تفعيل الرقابة الصارمة على الصيدليات والمستوردين، مع فرض عقوبات واضحة وحاسمة على المخالفين. ثالثاً، إعادة النظر في القوانين التي تمنع التخلص من الأدوية منتهية الصلاحية داخل البلاد، بما يتيح حل الأزمة بشكل عملي دون تعريض المواطنين للخطر.

في المحصلة، أزمة الأدوية المنتهية الصلاحية في لبنان ليست مجرد مسألة اقتصادية أو قانونية، بل هي مؤشر على هشاشة المنظومة الصحية بأكملها، وضرورة تبني حلول شاملة تحمي المواطن وتعزز السيادة الوطنية في قطاع حيوي يمس حياة كل لبناني بشكل مباشر.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 9