اليوم الثلاثاء في التاسع من سبتمبر، برز خبر لافت في الإعلام المصري والدولي حين أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي توجيهاً بدراسة إمكانية منح عفو للناشط البارز علاء عبد الفتاح، أحد أبرز رموز ثورة الخامس والعشرين من يناير، والذي يقضي معظم سنوات العقد الأخير في السجون المصرية. هذا التطور جاء في توقيت حساس، إذ يواصل عبد الفتاح إضرابه عن الطعام منذ الأول من مارس، الأمر الذي وضع السلطات المصرية في مواجهة ضغط حقوقي ودبلوماسي متصاعد.
علاء عبد الفتاح: سيرة مختصرة لرجل يثير الجدل
علاء عبد الفتاح لا يُعد مجرد سجين سياسي، بل هو أيقونة ارتبط اسمها بمطالب الحرية والعدالة الاجتماعية منذ اندلاع ثورة يناير. فقد أسس مع رفاقه فضاءات رقمية لحرية التعبير، وشارك في صياغة المزاج الثوري في مصر مطلع العقد الماضي. إلا أن مساره لم يكن يسيراً، إذ قضى معظم السنوات التالية بين قاعات المحاكم وزنازين السجون. التهم الموجهة إليه تراوحت بين "نشر أخبار كاذبة" و"التحريض"، في سياق واسع من المواجهة بين الدولة والمجتمع المدني. ومع إضرابه الحالي عن الطعام، تحولت قضيته إلى ملف إنساني عالمي لا يمكن تجاهله.
الدستور المصري يمنح الرئيس سلطة إصدار العفو الرئاسي، وهو ما جرى توظيفه مراراً في حالات فردية أو جماعية. لكن في حالة علاء عبد الفتاح، تبدو الخطوة أكثر تعقيداً، فهي ليست مجرد إجراء إداري بل تحمل أبعاداً سياسية ودبلوماسية. فتح ملف العفو يعني وضع السلطات أمام خيار مصيري: إما معالجة قضية رمزية تمثل حال آلاف المعتقلين، أو الاكتفاء بتسوية محدودة تعطي للنظام فسحة مناورة أمام الضغوط الدولية.
دوافع محتملة وراء القرار
هناك عدة اعتبارات دفعت السلطة إلى فتح النقاش حول العفو. أولها الضغط الحقوقي المتنامي، حيث تتعامل منظمات دولية مع قضية علاء بوصفها اختباراً لمدى التزام القاهرة بحقوق الإنسان. ثانيها الضغط الدبلوماسي، خاصة من بريطانيا التي يحمل علاء جنسيتها بجانب المصرية. ثالثها حسابات داخلية، فالإفراج عن شخصية ذات رمزية عالية يمكن أن يُعرض باعتباره دليلاً على ليونة النظام، دون أن يترتب عليه تغيير جوهري في المنهج الأمني.
السيناريوهات الممكنة
أول السيناريوهات وأكثرها ترجيحاً يتمثل في العفو الجزئي المشروط، أي إطلاق سراح علاء لكن مع فرض قيود على نشاطه العام أو سفره. أما السيناريو الثاني فهو العفو الكامل والإفراج الفوري، وهو خيار محتمل إذا بلغت الضغوط الدولية حدّاً لا يمكن تجاهله. السيناريو الثالث قد يكون تأجيل الملف دون تنفيذ، وهو مسار محفوف بالمخاطر لأنه قد يزيد حدة الانتقادات. وأخيراً، يبقى احتمال تسوية قضائية داخلية عبر تخفيف الحكم ثم إطلاق سراحه، وإن كان هذا الاحتمال أضعف من غيره.
التبعات على الداخل المصري
الإفراج عن علاء عبد الفتاح قد يُقرأ داخل مصر كرسالة تهدئة، وربما كانتصار رمزي للحركة المدنية. لكن في المقابل، قد يُواجه بانتقادات من ناشطين آخرين إذا اقتصر على حالة فردية دون أن يتوسع ليشمل ملفات أوسع. بالنسبة للنظام، نجاح هذه الخطوة في تخفيف التوتر يوفّر له فرصة لإدارة ملفات سياسية واقتصادية ملحة، بينما الفشل أو التباطؤ قد يضاعف من التحديات.
الانعكاسات الدولية
لن يمر القرار دون أثر في العلاقات الخارجية. بريطانيا ستكون المستفيد الأول من أي عفو، إذ يمكن أن تعتبره نجاحاً دبلوماسياً يثبت فعالية ضغوطها. الاتحاد الأوروبي سيتابع بدقة انعكاسات الخطوة على سجل مصر الحقوقي، وقد يربطها بملفات التعاون الاقتصادي والأمني. أما المنظمات الحقوقية فستكون حذرة في تقييمها: هل هو تحول سياسي أم مجرد "حالة استثنائية" لا تغيّر شيئاً من الجوهر؟
أسئلة لا تزال مطروحة
يبقى السؤال الأهم: هل يمثل فتح ملف العفو عن علاء عبد الفتاح بداية لمسار سياسي جديد، أم مجرد استثناء رمزي لا يعكس تغييراً حقيقياً؟ وهل تقف وراء الخطوة تسويات غير معلنة مع شركاء غربيين؟ وما مصير بقية معتقلي الرأي إذا جرى الإفراج عن علاء وحده؟ هذه الأسئلة ستبقى مفتوحة، بانتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة.
في النهاية، العفو المحتمل عن علاء عبد الفتاح لا يمكن قراءته كقضية شخصية فقط، بل كاختبار للسلطة المصرية في كيفية التعامل مع ملف الحريات السياسية. نجاح الخطوة في إحداث تغيير واسع سيشكل بداية مسار جديد، أما الاكتفاء بعفو محدود فسوف يظل مجرد تسوية رمزية تستجيب للضغط الخارجي دون تعديل في البنية الداخلية.