من سيناء إلى أنابيب الغاز.. هل تدخل العلاقات المصرية–الإسرائيلية مرحلة اختبار؟

2025.09.09 - 11:54
Facebook Share
طباعة

عاد ملف اتفاقية كامب ديفيد إلى واجهة الجدل الإسرائيلي من بوابة غير تقليدية، إذ لم يكن الحديث هذه المرة عن مناوشات عسكرية أو توترات حدودية مباشرة، بل عبر الإعلام العبري الذي بدأ يلوّح بورقة الغاز الطبيعي كورقة ضغط على القاهرة. فقد نشر الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي أرييل كاهانا مقالًا في صحيفة يسرائيل هايوم، دعا فيه الحكومة إلى وقف أو تجميد تصدير الغاز إلى مصر، باعتباره وسيلة مشروعة لإجبار القاهرة على الالتزام ببنود الملحق الأمني للاتفاقية الموقعة عام 1979.

كاهانا اتهم مصر بتجاوز القيود المفروضة على الوجود العسكري في سيناء، وأشار إلى أن القاهرة نشرت وحدات مدرعة ومنظومات دفاع جوي في مناطق محظورة بموجب الاتفاق، معتبرًا أن قوة المراقبة الدولية (MFO) لم تعد تقوم بدورها، فيما يلتزم الإعلام والسياسة في تل أبيب صمتًا يصفه بـ"غير المبرر". وفي تقديره، فإن الصفقة الضخمة للغاز بين البلدين تمثل أداة ضغط لا يجوز التفريط فيها، مؤكّدًا أن الأمن أهم من العوائد الاقتصادية.

في المقابل، ترفض القاهرة باستمرار هذه الاتهامات، وتؤكد أن انتشار قواتها في سيناء يتم في إطار مكافحة الإرهاب، وبالتنسيق مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وبما لا يخل بالاتفاقيات الموقعة. وترى مصر أن الحديث المتكرر عن تجاوزات عسكرية ما هو إلا محاولة إسرائيلية لإعادة فتح ملف مغلق، وتوظيفه كورقة سياسية مرتبطة بالوضع الداخلي في تل أبيب أكثر مما هو مرتبط بالواقع الأمني في سيناء.

صفقة الغاز، التي تُقدّر بمليارات الدولارات، تمثل أحد أهم أعمدة التعاون الاقتصادي بين البلدين. بالنسبة لمصر، هي ركيزة لمشروعها الطموح بأن تصبح مركزًا إقليميًا لتسييل الغاز وإعادة تصديره إلى أوروبا، بينما تراها إسرائيل بوابة تجارية حيوية لتصريف فائض إنتاجها. غير أن تحويل هذه الصفقة إلى أداة ابتزاز سياسي ينطوي على مخاطر جمّة، إذ قد يدفع القاهرة إلى البحث عن بدائل أخرى، وربما فتح قنوات أوسع مع قطر أو تركيا أو حتى روسيا، وهو ما قد يعيد رسم خريطة التحالفات في شرق المتوسط بأكملها.

أما داخل إسرائيل، فمن المتوقع أن يستغل التيار اليميني المتشدد هذه الطروحات للضغط على الحكومة من أجل اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه مصر، بينما تبدي المؤسسة الأمنية حذرًا شديدًا من أي تصعيد قد يضر بقنوات التعاون الاستخباراتي الضرورية مع القاهرة في ملف غزة وسيناء. الحكومة بدورها ستجد نفسها مضطرة للموازنة بين الضغوط الداخلية والحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع مصر، خصوصًا أن هذه العلاقات تُعدّ إحدى ركائز الأمن الإقليمي.

على الصعيد المصري، من المرجح أن يُقابل هذا الخطاب الإعلامي الإسرائيلي برفض رسمي قاطع، مع وصفه بمحاولات ابتزاز سياسي وتدخل في السيادة. ومن الناحية الشعبية، لن يخرج الأمر عن كونه دليلاً جديدًا على الوجه الحقيقي للسياسة الإسرائيلية، بما يغذّي الخطاب الرافض لأي تقارب يتجاوز الإطار الرسمي.

أما على المستوى الإقليمي، فإن أي تهديد لصفقة الغاز المصرية – الإسرائيلية قد يثير قلقًا واسعًا في دوائر عدة، أبرزها منتدى غاز شرق المتوسط الذي يضم مصر وإسرائيل وقبرص واليونان، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي الذي يراهن على الغاز المصري والإسرائيلي كبديل جزئي للطاقة الروسية.

ولا يمكن فصل توقيت إثارة ملف الغاز عن السياق الأوسع المتمثل في الحرب على غزة، حيث يضطلع الدور المصري بوساطة حساسة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية. ثمة من يرى أن التلويح بهذه الورقة قد يكون أداة ضغط غير مباشرة على القاهرة لتعديل موقفها التفاوضي أو لتقليص دعمها لحماس، لكن مثل هذه الخطوة قد ترتد على تل أبيب نفسها، التي لا تستطيع الاستغناء عن قنوات الوساطة المصرية في ملفات التهدئة وتبادل الأسرى.

منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، كان الملحق الأمني الخاص بسيناء مصدرًا دائمًا للتوترات. إلا أن دخول عنصر الطاقة على خط العلاقة في العقدين الأخيرين جعل المشهد أكثر تعقيدًا. فمصر التي كانت في البداية مصدّرًا للغاز إلى إسرائيل، أصبحت اليوم مستوردة ومركزًا إقليميًا للتسييل، وهو تحول غيّر طبيعة العلاقة من سلام بارد إلى شراكة اقتصادية مشوبة بالشكوك.

إثارة الإعلام العبري لفكرة استخدام الغاز كأداة ضغط ضد مصر تكشف عن نزعة متزايدة لتسييس الاقتصاد وتطويعه في لعبة النفوذ. ورغم أن هذه الدعوات لا تعكس موقف الحكومة الإسرائيلية الرسمي، إلا أنها تُنذر بفتح نقاش استراتيجي بالغ الخطورة: هل ستظل الطاقة رافعة للتعاون والاستقرار في المنطقة، أم تتحول إلى سلاح جيوسياسي يهدد إحدى أقدم معاهدات السلام في الشرق الأوسط؟

 

إن استخدام إسرائيل لورقة الغاز ضد مصر – حتى ولو على مستوى الطرح الإعلامي – يعكس تحوّلًا خطيرًا في مقاربة العلاقة بين الطرفين. فالتعاون الاقتصادي الذي صُمّم ليكون ضمانة للاستقرار الإقليمي قد يتحوّل إلى أداة ابتزاز سياسية. ورغم أن الحكومة الإسرائيلية لم تتبنَّ رسميًا هذه الدعوات، إلا أن مجرد طرحها في العلن يضع القاهرة أمام اختبار جديد: كيف تحافظ على دورها الإقليمي ووساطتها في ملفات غزة، وتؤمّن مصالحها في الطاقة، دون أن تسمح لتل أبيب بفرض معادلة “الأمن مقابل الاقتصاد”؟ في المقابل، يبقى التحدي الأكبر أمام إسرائيل هو الموازنة بين رغبتها في الضغط وبين حاجتها الماسة إلى استمرار الشراكة مع مصر، بوصفها إحدى ركائز استقرار الشرق الأوسط. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 3