تتجه الأنظار نحو زيارة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى نيويورك، للمشاركة في الدورة الثمانين لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، المقررة في الفترة بين 23 و27 من أيلول الجاري، على أن تُختتم في 29 من الشهر نفسه. وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة، إذ يتوقع أن يُلقي الشرع أول خطاب لرئيس سوري أمام الأمم المتحدة منذ عام 1967، ما يجعلها محطة سياسية بارزة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
تأتي زيارة الشرع بعد فترة من الولادة الجديدة للعلاقات السورية-الأمريكية عقب سقوط النظام السابق، حيث تم الإعلان عن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، منذ لقائه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في الرياض. ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها بداية لإعادة إدماج سوريا في المجتمع الدولي بعد سنوات من العزلة.
زيارة تحمل ملفات متعددة
يرى محللون أن زيارة الشرع ستشكل منعطفًا مهمًا على مستوى الاعتراف الدولي بالحكومة السورية الجديدة، وعلى صعيد تعزيز دور سوريا في الساحة الدولية. وأضاف أن خطاب الشرع أمام الجمعية العامة سيحدد اتجاهات السياسة السورية الداخلية والخارجية، خاصة في ما يتعلق بالتحديات الداخلية، مثل المشاريع الانفصالية، والتحديات الخارجية، أبرزها الملف الإسرائيلي.
وحدد الباحث فراس علاوي ثلاثة ملفات رئيسية ستتصدر المباحثات مع الجانب الأمريكي: أولًا، العمليات القانونية والإجرائية لرفع العقوبات الأمريكية، بما فيها قانون “قيصر” الذي يتطلب موافقة الكونغرس؛ ثانيًا، الاعتراف الدولي بالحكومة السورية وتعزيز التعاون مع واشنطن؛ وثالثًا، العلاقات السورية-الإسرائيلية وإمكانية التوصل إلى اتفاق أمني دون التطبيع.
جدل المشاركة والاعتراف الدولي
أثارت مشاركة الشرع في الجمعية العامة جدلًا بشأن قانونية حضوره باعتباره ما زال مدرجًا ضمن قوائم الإرهاب، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى السعي لإزالته من هذه القوائم. بينما تحفظت دول، أبرزها الصين، العضو الدائم في مجلس الأمن، على المشاركة، مشيرة إلى مخاوفها الأمنية المتعلقة بوجود مقاتلين أجانب ضمن القوات السورية.
ورغم ذلك، تشير المعلومات إلى أن واشنطن تعمل على ضمان إزالة الشرع من قوائم الإرهاب قبل انعقاد الجمعية العامة، ما يمهّد الطريق أمام الخطاب السوري التاريخي أمام المنصة الدولية.
انعكاس على الداخل السوري
رفع العقوبات والاعتراف الدولي بالحكومة السورية يُتوقع أن يفتح الباب أمام دعم دولي للحد من المشاريع الانفصالية التي تعرقل سيطرة الحكومة على كامل الأراضي السورية، وهو ما ينعكس على الاستقرار الداخلي. ويشير محللون إلى أن الدعم الدولي سيكون ضروريًا لتحويل التصريحات إلى إجراءات ملموسة تعزز وحدة البلاد.
كما أن الخطوات المرتقبة ستساهم في التخفيف من الضغوط الاقتصادية على سوريا، رغم أن التحسن الاقتصادي لن يكون فوريًا، وإنما تدريجيًا مع ترسيخ الاستقرار الداخلي ومعالجة الملفات الأمنية الحساسة مثل ملف السويداء ووجود “قسد” في شمال شرق البلاد.
ملف العلاقات السورية-الإسرائيلية
على الرغم من نفي المسؤولين السوريين وجود لقاء مباشر بين الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تشير التحليلات السياسية إلى احتمال التوصل إلى اتفاق أمني محتمل على هامش أعمال الجمعية العامة، بوساطة أمريكية، يركز على فرض الأمن على الحدود ووقف الاعتداءات الإسرائيلية دون الانتقال إلى التطبيع السياسي.
ويرى المحللون أن أي تقدم في هذا الملف مرتبط بشكل كامل بالجانب الأمريكي، الذي يسعى لتثبيت استقرار المنطقة عبر تسوية جزئية تضمن السيطرة الأمنية على الجنوب السوري.
تداعيات دولية وإقليمية
زيارة الشرع إلى نيويورك تمثل فرصة لتعزيز مكانة سوريا على المسرح الدولي، وللرد على التحديات الإقليمية والدولية، لا سيما تلك المتعلقة بالملفات الأمنية والسياسية المرتبطة بالوجود الإسرائيلي في المناطق الحدودية، بالإضافة إلى التأثير على ملف الانفصال في شمال شرق سوريا.
وتبقى هذه الزيارة اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة السورية على إعادة صياغة علاقاتها الدولية وتثبيت مكانتها في محافل القرار العالمي، بما يعكس دورها السياسي والاستراتيجي في المنطقة.
زيارة الرئيس الشرع إلى الأمم المتحدة تحمل في طياتها مزيجًا من الملفات السياسية والأمنية والدبلوماسية. فهي تعكس محاولات الحكومة السورية لإعادة تأكيد حضورها الدولي، وضبط ملفات الانفصال الداخلي، والتعامل مع الملف الإسرائيلي من منظور أمني واستراتيجي، مع تعزيز الانفتاح الاقتصادي تدريجيًا. وتظل الأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد مدى نجاح هذه الجهود، ومدى قدرة سوريا على تحقيق توازن بين الداخل المستقر والمتغيرات الإقليمية والدولية.