خلال أقل من عام، نجحت منصة Yango Play في أن تحجز مكانها بقوة على خريطة الترفيه الرقمي في الشرق الأوسط. بتصميم حديث وحملات تسويقية مكثفة، استطاعت اجتذاب ملايين المستخدمين العرب، خصوصًا في الخليج ومصر. لكن وراء هذا النجاح السريع تبرز إشكالية أساسية: غياب الشفافية حول المالكين الحقيقيين للمنصة وطبيعة ارتباطاتها الدولية. هذا التحقيق يحاول تفكيك طبقات الغموض المحيطة بـ Yango Play عبر تتبع جذورها وعلاقاتها وشبكاتها التجارية.
الجذور الروسية: من "ياندكس" إلى "يانجو"
لا يمكن فهم Yango Play بمعزل عن شركة ياندكس Yandex، عملاق التكنولوجيا الروسي الذي تأسس أواخر التسعينيات وقدم خدمات تنافس جوجل وفيسبوك في السوق الروسية. مع اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية وفرض العقوبات الغربية، كان على ياندكس إعادة هيكلة أصولها الدولية. النتيجة كانت ولادة كيانين رئيسيين:
Nebius Group: مسؤولة عن الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، ونشطت بقوة في السوق الإسرائيلية بمشاريع مدعومة من الحكومة هناك.
Yango Group: احتفظت بالعلامة التجارية "يانجو" وأطلقت منها عدة منتجات، منها النقل الذكي والتوصيل، وأخيرًا منصة الإعلام والترفيه Yango Play.
هذه الخلفية توضح أن Yango Play لم تولد كمنصة عربية بحتة، بل كامتداد لشركة أم عالمية تتعرض لضغوط سياسية وتبحث عن أسواق بديلة وآمنة.
التأسيس في دبي: حضور شرعي أم واجهة قانونية؟
رسمياً، تعمل Yango Play عبر شركة مسجلة في دبي تحمل اسم Funtech Loyalty Card Services L.L.C.. لكن هذه الشركة ليست معروفة في السوق الإماراتية أو العربية، ولا تتوافر أي بيانات علنية عن نشاطها أو تاريخ تأسيسها أو المساهمين فيها.
الأغرب أن جميع سياسات الخصوصية والاتفاقيات داخل التطبيق تحيل المستخدم مباشرة إلى هذه الشركة بوصفها "المتحكم بالبيانات"، ما يثير تساؤلات حول كونها مجرد شركة واجهة أنشئت خصيصاً لإخفاء هوية المالكين الفعليين ولحماية الكيانات الأم من المساءلة القانونية داخل المنطقة العربية.
الروابط الإسرائيلية: النشاط التجاري والتقني
التحقيقات تكشف أن Yango Group – الشركة الأم لـ Yango Play – لها نشاط تجاري مسجل في إسرائيل يشمل خدمات مثل Yango Taxi وYango Deli. إضافة إلى ذلك، فإن الكيان الشقيق Nebius Group يقود مشاريع في إسرائيل بمجال الذكاء الاصطناعي، بعضها مرتبط ببناء حواسيب فائقة، في شراكة مع شركات محلية وبتمويل حكومي.
هذه الارتباطات تجعل من الصعب اعتبار Yango Play مشروعًا "عربيًا صرفًا"، إذ تظل علاقاته التجارية والتقنية متداخلة مع السوق الإسرائيلية، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالات التأثير غير المباشر على المنصة الموجهة للجمهور العربي.
ما الذي يجمعه التطبيق من بيانات؟
عند تثبيت Yango Play على الهواتف الذكية، يُلاحظ أنه يطلب مجموعة واسعة من الأذونات:
قراءة الصور والفيديوهات والملفات المخزنة.
الوصول إلى الموقع الجغرافي لحظياً وللتاريخ الكامل للمواقع.
الاطلاع على جهات الاتصال والبريد الإلكتروني.
أذونات متعلقة بتسجيل الصوت والملفات الصوتية.
هذه الصلاحيات تفوق ما تحتاجه أي منصة ترفيهية، وتفتح المجال أمام استخدام التطبيق كأداة لجمع بيانات شخصية شديدة الحساسية عن المستخدمين. في بيئة الشرق الأوسط، حيث الخصوصية الرقمية لا تزال هشّة، يشكل هذا الأمر خطراً مضاعفاً، إذ يمكن توظيف البيانات لأغراض تجارية بحتة أو حتى لأغراض سياسية وأمنية.
إدارة الصفحات على وسائل التواصل: مؤشر مقلق
أحد أكثر المؤشرات إثارة للجدل ظهر على صفحة Yango Play الرسمية على فيسبوك، حيث كشفت أدوات الشفافية أن عشرات المدراء للصفحة موزعون على عدة دول، بينهم نحو 12 شخصًا في إسرائيل. ورغم أن هذه الأسماء اختفت لاحقاً بعد ضجة إعلامية، إلا أن وجودها ولو لفترة مؤقتة يكشف عن شبكة إدارة غير عربية بالكامل لمنصة تُسوّق نفسها كـ"خدمة عربية". هذه المعطيات تزيد من المخاوف بشأن من يتحكم في الرسائل الإعلامية التي تبثها المنصة لجمهورها العربي.
البعد الاستراتيجي: الترفيه كأداة للنفوذ
في عالم اليوم، لم يعد الترفيه مجرد محتوى بريء، بل أصبح قناة للتأثير الناعم على المجتمعات. المنصات الرقمية التي تجمع بيانات واسعة وتبث محتوى موجهاً يمكن أن تُستخدم في تشكيل الوعي الجمعي وتوجيه النقاشات العامة. وفي حال كانت هناك ارتباطات خفية بين Yango Play وكيانات تجارية أو تقنية في إسرائيل، فإن الخطر يتجاوز الخصوصية ليصل إلى إعادة صياغة وعي المستخدم العربي عبر منصة تبدو للوهلة الأولى مجرد تطبيق ترفيهي.
بين الغموض والمساءلة
ما يظهر من هذا التحقيق هو أن Yango Play ليست منصة عربية بالمعنى الصافي، بل مشروع دولي معقد يقف على تقاطع شركات روسية أعادت ترتيب نفسها بعد العقوبات، وأنشأت أذرعًا تجارية في المنطقة، بينها دبي وتل أبيب. الشركة القانونية التي تدير التطبيق غامضة، صلاحياته في جمع البيانات مفرطة، والإدارة الرقمية تحمل مؤشرات على ارتباطات إسرائيلية.
هذه المعطيات تجعل من الضروري:
1. تحرك رسمي من الجهات التنظيمية العربية لمراجعة الوضع القانوني والبيانات التي يجمعها التطبيق.
2. شفافية كاملة من إدارة Yango Play حول ملكيتها وتمويلها وشركائها.
3. وعي مجتمعي أكبر عند التعامل مع تطبيقات ترفيهية تبدو بسيطة لكنها قد تُخفي وراءها أجندات أعمق.
ويبقى السؤال المفتوح:
هل Yango Play مجرد منافس جديد في سوق البث الرقمي، أم أداة ناعمة لتوسيع نفوذ غير مرئي في العالم العربي؟