كيف يمكن مواجهة مشروع التهجير الإسرائيلي في غزة؟
متابعات _ وكالة أنباء آسيا
الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لم تعد مجرد مواجهة عسكرية، بل تحولت إلى مشروع إستراتيجي يقوم على سحق العمران المدني وإعادة تشكيل الواقع الديمغرافي، تدمير الأبراج والأحياء السكنية يصاحبه خطاب سياسي وأمني يهدف إلى دفع السكان نحو الخروج القسري تحت مسميات إنسانية مثل "الإجلاء" أو "الخروج الطوعي"، وهو ما يمثل في جوهره جريمة تهجير جماعي مكتملة الأركان.
تسعى إسرائيل إلى إعادة احتلال القطاع عبر السيطرة الأمنية الكاملة والتوغل الميداني، مع البحث عن بدائل سياسية لإدارة غزة بعيداً عن حركة "حماس" وحتى عن السلطة الفلسطينية، هذا الطموح يصطدم بمعضلة غياب الشريك المحلي، لذلك تراهن إسرائيل على مسار موازٍ يقوم على التهجير التدريجي، عبر إخراج أعداد من الجرحى وعائلاتهم عبر المعابر الإسرائيلية، تمهيداً لنزوح محدود نحو أوروبا تحت غطاء الدعم الإنساني والتوظيف، بما يفتح الطريق أمام تغيير تركيبة القطاع السكانية.
مصر أعلنت بوضوح أنّ أي مشروع للتهجير يمثل خطاً أحمر يهدد أمنها القومي، وهو موقف جرى التأكيد عليه منذ الأيام الأولى للحرب، القاهرة رفضت ما وصفته بـ"هراء التهجير الطوعي"، لكنها ترى في تصريحات نتنياهو محاولات للزج بها في مسؤولية الأزمة سواء عبر اتفاقيات الغاز أو المعابر، الموقف المصري يحظى بدعم عربي.
الولايات المتحدة بدورها تواصل توفير الغطاء السياسي والعسكري لتل أبيب، زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية إلى إسرائيل وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول غزة تكشف عن ازدواجية واضحة: من جهة طمأنة إسرائيل بأن الدعم الإستراتيجي قائم، ومن جهة أخرى التلويح بمسارات تفاوضية شكلية مع "حماس". في العمق، تتبنى واشنطن مقاربة تسمح لنتنياهو بالاستمرار في حربه على القطاع مع وعود لاحقة بإعادة الإعمار، دون أي التزام بوقف الحرب أو حماية المدنيين.
ما يجري في غزة هو مشروع لإعادة رسم الجغرافيا والديمغرافيا تحت قوة السلاح. نجاح هذا المشروع يعتمد على ميزان المواقف: إسرائيل تراهن على استمرار التدمير والزمن الطويل، بينما تمنحها واشنطن الغطاء، ويقف العرب أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاكتفاء بالرفض السياسي الذي يُبقي الباب مفتوحاً أمام التهجير التدريجي، أو الانتقال إلى خطوات عملية تضغط على تل أبيب وتجعل كلفة مشروعها أكبر من طاقتها.
