من القرى السبع إلى شبعا… الاحتلال يتمدد

2025.09.07 - 10:27
Facebook Share
طباعة

 لا تزال قضية القرى السبع وأخواتها إحدى أبرز الملفات العالقة في الصراع اللبناني – الإسرائيلي، إذ تشكّل هذه الأراضي رمزاً لخسارة تاريخية يقدّرها خبراء بأنها توازي نحو 10% من مساحة الجنوب اللبناني. ومع تجدد الحديث عن ترسيم الحدود البرية، تبرز مجدداً المطالبة باسترجاع القرى والتلال والمزارع التي سُلخت عن لبنان في محطات متعاقبة منذ الانتداب وصولاً إلى الاحتلال الإسرائيلي.


ذاكرة 1923: بداية الاقتطاع
تعود جذور القضية إلى عام 1923، حين جرى ترسيم الحدود بين فرنسا وبريطانيا في سياق الانتداب على لبنان وفلسطين. آنذاك، نُقلت القرى السبع من النفوذ الفرنسي إلى البريطاني، لتصبح لاحقاً تحت السيطرة الإسرائيلية بعد حرب 1948. القرى هي: إبل القمح، هوتين، النبي يوشع، قدس، المالكية، صلحا، وطربيخا.


قدّر عدد سكان هذه القرى حينها بحوالي 45 ألف نسمة، غالبيتهم من الطائفة الشيعية، وقد تعرّضوا للتهجير القسري عقب الاحتلال. لم يكتف الإسرائيليون بضمّ الأرض، بل عمدوا إلى طمس هويتها عبر تغيير أسمائها وإقامة مستعمرات جديدة مكانها. وبذلك تحوّل التاريخ إلى ذاكرة محجوبة، فيما لم تشمل القرارات الدولية – مثل القرار 425 – المطالبة بعودتها، باعتبار الاحتلال وقع قبل عام 1978.


توسّع أبعد من القرى السبع
لم تتوقف عمليات الضمّ عند القرى السبع. فبعد اتفاقية الهدنة عام 1949، كُرّست سيطرة الاحتلال على نحو 20 قرية إضافية في جبل عامل، من بينها كفر برعم والجردية ومعصوبة. وشهدت هذه المناطق تهجيراً ممنهجاً لسكانها الذين باتوا يحملون الجنسية اللبنانية "قيد الدرس"، فيما حُوّلت قراهم إلى أطلال.


على مرّ السنوات، استمرّت عمليات القضم التدريجي، حتى وصل حجم الأراضي المصادرة إلى أكثر من 24 قرية و23 ألف دونم من الأراضي الزراعية الخصبة. وتحوّلت هذه الرقعة إلى جزء من المشروع الاستيطاني الإسرائيلي الممتد على طول الحدود.


مزارع شبعا… العقدة الدائمة
إلى جانب القرى السبع، برزت قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا منذ حرب 1967، حين سيطر الاحتلال على مساحة تقارب 24 كلم² تضم أكثر من 15 مزرعة و1200 عائلة. المزارع التي تتوزع بين لبنان وسوريا، باتت نقطة نزاع ثلاثية معقّدة، لا تزال تؤجج التوتر حتى اليوم.


وخلال الفترة بين 1967 و1989، استكمل الاحتلال عمليات ضمّ تدريجية لمزارع وقرى محاذية، وصولاً إلى طرد السكان نهائياً وإقامة مواقع عسكرية ثابتة. وفي عام 1982، تجاوز الاحتلال الخطوط المرسمة دولياً ونقل الشريط الشائك شمالاً، مقتطعاً آلاف الدونمات من أراضي عيتا الشعب ورامية وعلما الشعب وسهل الخيام.


التوغلات المستمرة
منذ تسعينيات القرن الماضي، واصل الاحتلال فرض أمر واقع على الأرض. فقد أعاد ترسيم الحدود عند مرصد جبل الشيخ، وضمّ مساحات إضافية من الأراضي الوقفية في منطقة الدبيشة. وتحوّلت التلال الخمس إلى ثمانية مواقع عسكرية، لتصل المساحة الإجمالية المحتلة اليوم إلى ما يقارب 100 كلم² من أصل 930 كلم² هي مساحة الجنوب.


البعد السياسي والقانوني
إثبات "لبنانية" القرى السبع وأخواتها اليوم يبقى معركة معقدة. فالاتفاقيات الدولية – من سايكس بيكو 1916 إلى ترسيم 1920 – تؤكد تاريخياً تبعية هذه القرى للبنان. لكن الجانب الإسرائيلي يستند إلى وقائع الأمر الواقع والتهجير السكاني. أي مفاوضات مستقبلية ستصطدم بهذا الجدار القانوني والسياسي، ما يجعل استرجاعها رهناً بموازين القوى والتسويات الإقليمية.


صراع مفتوح
يبقى السؤال: هل يمكن أن تشعل هذه الملفات حرباً جديدة؟ مصادر سياسية ترى أن الصراع في الجنوب ليس وليد اليوم، بل هو امتداد لتاريخ طويل من النزاعات الحدودية. صحيح أن مزارع شبعا تشكل نقطة توتر دائمة، لكن لا مؤشرات على أن تكون الشرارة المباشرة لمواجهة شاملة. غير أن استمرار الاحتلال، واستنزاف الأراضي والموارد، يجعل الجنوب في حالة غليان دائم، يربط لبنان بمعادلة صراع مفتوح بلا أفق قريب للحل.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 4