غزة تحت النار… أبراج مدمرة ومجازر متواصلة

2025.09.07 - 09:08
Facebook Share
طباعة

 منذ ساعات الفجر الأولى، عاشت مدينة غزة على وقع قصف جوي إسرائيلي عنيف استهدف كل ما يتحرك، وكل ما تبقى قائماً من مبانٍ وبنية تحتية. المشهد الدموي اليومي يتكرر: عشرات الشهداء والجرحى، دمار واسع النطاق، ونزوح جديد لعائلات لا تعرف إلى أين تتجه في مدينة تحولت معظم أحيائها إلى أطلال.

 

مدارس تتحول إلى مقابر

المدارس، التي لطالما كانت ملاذاً آمناً للنازحين، تحولت إلى أهداف مباشرة. قصف استهدف مدرسة الفارابي الواقعة مقابل ملعب اليرموك وسط غزة، أدى إلى استشهاد ثمانية أشخاص، بينهم أطفال، وسقوط عدد من الجرحى الذين ملأت صرخاتهم أروقة المستشفى. لم يعد المكان الذي حمل أحلام التعليم والطفولة سوى ركام وصمت يخنق أنفاس الناجين.

ولم تمض ساعات حتى استهدفت طائرات الاحتلال خيمة للنازحين قرب المجلس التشريعي في حي الرمال غرب المدينة، ما أسفر عن استشهاد أحد عشر فلسطينياً بينهم أربعة أطفال. القصف طال أيضاً شقة سكنية في حي الشيخ رضوان شمالي غزة، مضيفاً مزيداً من الأرواح إلى قائمة الشهداء.

 

دماء على أبواب المساعدات

يوم السبت لم يكن أقل فداحة. أكثر من ثلاثين فلسطينياً ارتقوا برصاص الاحتلال حين تجمعوا شمال القطاع بانتظار مساعدات غذائية. المشهد كان صادماً: جثث ملقاة على الأرض، حقائب فارغة، وأيدٍ كانت ممدودة بحثاً عن قوت يومها تحولت إلى أيادٍ خامدة.

حصيلة الأمس وحدها بلغت 74 شهيداً في غزة، 53 منهم في المدينة نفسها. الأرقام تكشف حجم المجازر المتلاحقة التي لم تتوقف عند موقع واحد، بل امتدت إلى الشوارع والمنازل والمساجد.

 

أبراج غزة… هدف ممنهج

لم تقتصر الغارات الإسرائيلية على الأحياء المكتظة، بل صعّدت قوات الاحتلال عملياتها ضد الأبراج السكنية. خلال يومين فقط، تحولت معالم المدينة إلى ركام بعدما دُمرت أبراج بكاملها، أبرزها برج السوسي في حي تل الهوا جنوب غربي غزة. الاحتلال زعم أن حركة حماس تستخدم البرج كمركز مراقبة وجمع معلومات، لكن المشهد على الأرض كان مختلفاً: عائلات مهجرة، أثاث مبعثر، وأحلام سقطت مع سقوط الخرسانة.

سياسة تدمير الأبراج لم تكن عابرة. وزير الدفاع الإسرائيلي أكد أن الجيش سيواصل نسف هذه المباني، بينما تحدثت وسائل إعلام عبرية عن خطط لتصعيد أكبر في الأيام المقبلة، في إشارة إلى نية توسيع الدمار ليشمل ما تبقى من نسيج عمراني في غزة.

 

إخلاءات قسرية تحت القصف

مع كل قصف، يصدر جيش الاحتلال أوامر جديدة بإخلاء الأبراج. سكان برج الرؤيا في حي تل الهوا تلقوا إنذارات بالإخلاء، ليبدأ مشهد النزوح الجديد: عائلات تهرع بما استطاعت حمله، وأخرى تلقي بأغراضها من النوافذ لعلها تنجو. لم يقتصر الإخلاء على المبنى نفسه بل شمل الأبنية المجاورة، ما جعل الحي بأكمله شبه خاوٍ.

حركة حماس وصفت ما يحدث بأنه "تهجير قسري وتطهير عرقي"، مؤكدة أن استهداف الأبراج يهدف إلى اقتلاع السكان من مدينتهم وإفراغها من الحياة.

 

انهيار الاتصالات… عزل غزة

الاستهداف الإسرائيلي لم يترك مجالاً للخدمات الأساسية. الأبراج التي تضم مقرات لشركات الاتصالات باتت أهدافاً مباشرة، مما يهدد بانقطاع شامل لشبكات الإنترنت والاتصالات. التحذيرات تتوالى من أن ذلك سيعني عزلة تامة للمدنيين، ويعرقل عمل الطواقم الطبية والإغاثية التي تعتمد على هذه الشبكات في تنسيق عمليات الإنقاذ ونقل المصابين.

 

أرقام النزوح والدمار

التقديرات تشير إلى أن أكثر من 70% من مباني مدينة غزة دُمرت بالكامل أو تضررت بشكل كبير. عشرات الآلاف من العائلات نزحت مجدداً بحثاً عن مأوى، فيما تتحدث مصادر إسرائيلية عن مغادرة نحو 90 ألف مدني للمدينة منذ بداية التصعيد الأخير. غزة التي كانت تعج بمليوني نسمة، تحولت إلى مدينة أشباح يتناثر أهلها في المدارس المهدمة أو الشوارع المفتوحة على المجهول.

 

أسطول الصمود… تأجيل جديد

على الجانب الآخر، لا يزال الأمل ضعيفاً في وصول المساعدات. أسطول الصمود العالمي، الذي يضم عشرات القوارب المحملة بالإغاثة، أعلن تأجيل رحلته من تونس إلى غزة بسبب "أسباب تقنية ولوجستية". التأجيل ليس الأول، فقد سبق أن أرجئت الإبحارات بفعل سوء الأحوال الجوية أو بسبب اعتراضات إسرائيلية سابقة.

الأسطول، المتوقع أن يضم ناشطين من 44 دولة بينهم شخصيات معروفة مثل الناشطة البيئية السويدية غريتا ثونبرغ والممثل الأيرلندي ليام كنينغهام، يسعى لفتح ممر إنساني بحري. لكن العقبات المتكررة تجعله رمزاً لمعركة أخرى: معركة كسر الحصار المستمر منذ سنوات.

 

الشارع العالمي يتحرك

في المقابل، الشارع العالمي لم يصمت. عشرات العواصم الأوروبية شهدت مظاهرات ضخمة. في دبلن، خرج الآلاف مطالبين الحكومة الأيرلندية بمعاقبة إسرائيل وعدم الاكتفاء بالاعتراف الرمزي بفلسطين.

في لندن، تظاهر عشرات الآلاف للأسبوع الثلاثين على التوالي، في واحدة من أكبر موجات العصيان المدني. المظاهرة انتهت باعتقال أكثر من 420 شخصاً بتهم تتعلق بدعم "منظمة إرهابية"، حسب توصيف السلطات البريطانية.

ستوكهولم بدورها شهدت مظاهرة رفعت لافتات تقول "الأطفال يقتلون في غزة"، فيما طالب المشاركون حكومتهم بفرض عقوبات على تل أبيب. أما في باريس، فقد حمل المتظاهرون أكياس دقيق رمزية للفت الانتباه إلى المجاعة في غزة، مرددين هتافات ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وفي برلين، رفع المحتجون شعار "أوقفوا الإبادة الجماعية"، بينما احتشدت إسطنبول بآلاف المتظاهرين دعماً لأسطول الصمود ومطالبة بوقف المجازر.

 

كارثة إنسانية شاملة

الأمم المتحدة أعلنت بالفعل أن غزة تواجه المجاعة، إذ يعيش نصف مليون شخص في ظروف "كارثية". تقارير دولية أشارت إلى أن 382 فلسطينياً توفوا بسبب الجوع منذ أكتوبر، بينهم 135 طفلاً. أرقام صادمة تضاف إلى حصيلة الحرب التي تجاوزت 64 ألف شهيد و162 ألف جريح منذ السابع من أكتوبر، معظمهم من النساء والأطفال.

 

نحو أين؟

كل هذه التطورات تضع العالم أمام سؤال ملح: إلى أين تتجه غزة؟ فمع كل يوم جديد، يتعمق الجرح الإنساني، ويزداد الدمار العمراني، ويُدفع السكان دفعاً نحو النزوح أو الموت. القصف الإسرائيلي لا يميز بين مدرسة تؤوي نازحين، أو خيمة بائسة، أو برج سكني، أو شارع مكتظ.

في المقابل، يستمر الحصار ومنع المساعدات، بينما يكتفي المجتمع الدولي ببيانات شجب واستنكار لا توقف نزيف الدم ولا تمنع انهيار ما تبقى من حياة. غزة، المدينة التي قاومت الحروب مراراً، تواجه اليوم أخطر فصول الإبادة الممنهجة وسط صمت عالمي يصمّ الآذان.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 2