استهداف جبل المانع… قراءة في الأبعاد العسكرية والاستراتيجية

بقلم الخبير الاستراتيجي سامر عبود

2025.09.07 - 01:10
Facebook Share
طباعة

يُعدّ جبل المانع في جنوب دمشق واحدًا من أكثر المواقع العسكرية السورية حساسية منذ عقود، ليس فقط بسبب موقعه المشرف على العاصمة، بل لأنه احتضن عبر الزمن منظومة متكاملة من غرف العمليات، وحدات الدفاع الجوي، محطات الرادار، منصات الحرب الإلكترونية، ومستودعات الصواريخ. استهدافه الأخير يعيد فتح ملف هذا الجبل الذي لطالما ارتبط بالأسرار العسكرية.

مقر اللواء 77 دفاع جوي

الجبل كان يحتضن المقر العملياتي للواء 77 دفاع جوي، المعروف اصطلاحًا بـ"حامية دمشق" في الحقبة السابقة. هذا اللواء ضم تشكيلات دفاع جوي واسعة: أربع كتائب بيتشورا 2M المطور، أربع كتائب إس-75 فولغا، ثلاث كتائب كفادرات سام-6، إضافة إلى كتيبة شيلكا ومنظومات محمولة على الكتف.
المقر في جبل المانع كان مركزًا محصنًا لإدارة عمليات الدفاع الجوي حول دمشق وريفها. ومع وصول منظومات البانتسير والبوك إلى سوريا، جرى فصلها في أفواج مستقلة نظرًا لتعقيدات تشغيلها وربطها مع قيادة اللواء 77.

عقدة وصل استخباري واستطلاعي

لم يكن الموقع مقتصرًا على الدفاع الجوي. فقد تواجد فيه أيضًا مركز عمليات للربط بين مقر القيادة الموحد (م-1) ومركز الاستطلاع والتجسس (س-2) في تل الحارة. كما ضمّ السرية الأولى من الكتيبة 661 رادار تابعة للواء التأمين الإلكتروني الأول، مع رادار صيني من طراز LSS-1 ورادار OSS-2 "أبرونا" (نسخة مطورة من P-14). قبل سقوط المنطقة، نُقل رادار الأبرونا إلى مرج السلطان وبقيت محطة LSS-1 فقط.

الحرب الإلكترونية والتشويش

جبل المانع احتضن محطة حرب إلكترونية كورية شمالية من طراز SK للتشويش على الملاحة عبر الأقمار الصناعية، تابعة للفوج الرابع حرب إلكترونية، إضافة إلى محطات أخرى للفوجين الأول والثاني. كما تواجدت محطات استطلاع للأمن العسكري والمخابرات الجوية، بعضها كان خارج الخدمة أو يعمل بطاقة شمسية بدائية.

السلاح الصاروخي

من أخطر ما تضمنه الجبل مستودعات لصواريخ أرض–أرض من طراز "تشرين M-600" التابعة للواء 157 صواريخ، مخزنة في أنفاق خرسانية عميقة. وتشير المعطيات إلى وجود منظومات صاروخية أخرى أكثر تطورًا جرى إخفاؤها في أنفاق جبل المانع، يُرجَّح أنها كانت أحد أهداف عمليات الإنزال.

الغارات والإنزال الأخير

الغارات الإسرائيلية استهدفت الطرق المؤدية إلى الجبل عبر تفجير حفر كبيرة لقطع الوصول إلى الثكنات السابقة. بينما تحدّث الإعلام السوري عن "أجهزة تجسس إسرائيلية"، فإن ما جرى على الأرض يبدو أقرب إلى التعامل مع تجهيزات قديمة تعود للأمن العسكري والحرب الإلكترونية.
الرواية الأكثر ترجيحًا – وفق ما تداوله الإعلام الإسرائيلي – أن الإنزال كان يستهدف تفكيك أجهزة استطلاع مرتبطة بنشاط تركي، وهو سيناريو ليس جديدًا إذ سبق أن سُجّل مثله على الساحل السوري.

الجبل… بين التاريخ والأسرار

لم يكن جبل المانع مجرد موقع عسكري، بل حمل معه قصصًا عن محاولات ضباط للبحث عن ذهب وآثار دفينة انتهت بهم إلى أقبية الأجهزة الأمنية. وإلى جانب جبل بدران وجبل المضيع، تشكل هذه السلسلة الجبلية الممتدة من الكسوة إلى جديدة عرطوز ومن الحرجلة حتى دير علي، عقدة أمنية وعسكرية مليئة بالأسرار.


إن استهداف جبل المانع لا يقتصر على بعد عسكري تقني، بل يتجاوز ذلك إلى رسائل استراتيجية تتعلق بالعمق الأمني للعاصمة السورية. فالموقع كان – ولا يزال – خزّانًا للقدرات الصاروخية ومختبرًا لمنظومات الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية. ومن هنا، فإن أي تحرك نحوه يعبّر عن مواجهة مباشرة مع البنية التحتية للأمن العسكري السوري، ورسالة بأن لا موقع محصنًا تمامًا في معادلة الصراع. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 5