نشرت صحيفة هآرتس العبرية، في مقال رأي للمحلل الإسرائيلي زفي بارئيل، تحذيرًا شديد اللهجة من أن الخطط الإسرائيلية لاحتلال قطاع غزة قد تتحول إلى مأساة أكبر مما تتصور تل أبيب، مع مخاطر اقتصادية وإنسانية وسياسية ضخمة، قد تجعل إسرائيل نفسها رهينة للواقع الميداني في غزة.
تحضيرات إسرائيلية تحت غموض كبير
تشير هآرتس إلى أن الجيش الإسرائيلي بدأ في حشد قوات الاحتياط وتنفيذ تحضيرات ميدانية مكثفة لاحتلال القطاع. ومع ذلك، يبقى الغموض سيد الموقف بشأن حجم المسؤولية المدنية التي سيتحملها الجيش الإسرائيلي بعد الاحتلال. الخلافات الداخلية بين رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ورئيس الحكومة تتعلق بتقدير الكلفة والفائدة: هل الاحتلال الشامل سيحقق فعليًا تحرير الأسرى وتقويض حكم حركة حماس؟ وما الثمن البشري المتوقع للجنود؟ رغم هذه الخلافات، فإن التحضيرات الميدانية تجعل فرض إدارة عسكرية على غزة شبه محسوم، إلا إذا تدخلت الإدارة الأمريكية في اللحظة الأخيرة.
الاحتلال كسلطة حاكمة… وأعباء ضخمة
وفقًا لتقديرات هآرتس، سيضطر الجيش الإسرائيلي للعمل كسلطة حاكمة مدنية، وهو ما يحمل أعباء اقتصادية وسياسية وقانونية ضخمة. تشير تحليلات محافظين سابقين لبنك إسرائيل إلى أن إدارة القطاع قد تكلف نحو 30 مليار شيكل سنويًا للخدمات الأساسية مثل الصحة والمياه والكهرباء، بالإضافة إلى 20 مليار شيكل لتكاليف الجيش. هذه الأرقام لا تشمل التكاليف الطارئة أو العقوبات الاقتصادية المحتملة، التي قد تحد من التجارة الدولية وتفاقم الأزمة الاقتصادية.
الفوضى الإنسانية في غزة
تؤكد هآرتس أن الخطة الإسرائيلية لا تتضمن أي رؤية واضحة لتأهيل شبكات المياه والكهرباء أو لتوزيع الوقود والغذاء. كما أن السياسة تجاه مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يرفضون النزوح شمال القطاع لم تُحسم بعد، ويتوقع بقاء نحو نصف مليون مدني في مناطق قتال نشطة، ما قد يؤدي إلى ارتفاع قياسي في أعداد الضحايا المدنيين. هذه الفوضى قد تضغط على الجيش الإسرائيلي وتزيد من احتمالات الانتهاكات، في ظل غياب غطاء دولي حقيقي.
المخاطر الأمنية والسياسية والدولية
يواجه الاحتلال مخاطر سياسية وأمنية كبيرة، إذ سيضطر الجيش للعمل وسط تجمعات مكتظة قد تضم مقاتلين فلسطينيين. وتوضح هآرتس أن التجربة في الضفة الغربية بينت الفجوة بين الالتزامات القانونية على الورق والواقع على الأرض، مما يزيد من تعقيد أي إدارة عسكرية شاملة. كما تحذر دول عربية مثل الإمارات ومصر والأردن من مخاطر الاحتلال، بينما أعربت أبوظبي عن استعدادها فقط للمشاركة في قوة متعددة الجنسيات لإدارة غزة، بشرط أن تكون تحت رعاية سلطة فلسطينية "موثوقة".
دروس التاريخ وتجارب الاحتلال السابقة
يشير بارئيل في مقاله إلى أن الهدف المعلن بإسقاط حركة حماس قد يكون بعيد المنال. التجارب التاريخية من الاحتلال الإسرائيلي للبنان والضفة الغربية، إلى الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان، تؤكد أن الاحتلال المباشر لا ينهي المقاومة، بل قد يغذيها ويزيد من حدة الصراع على المدى الطويل. ويتساءل الكاتب الإسرائيلي: "كم من السنوات ستتحمل إسرائيل إدارة غزة قبل أن تدرك أن غزة هي التي ضمت إسرائيل إليها؟".
بين الاحتلال والمأزق
يخلص تحليل هآرتس إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لغزة سيضع تل أبيب أمام مسؤوليات ضخمة على الصعيدين الإنساني والقانوني، مع مخاطر اقتصادية وسياسية تتجاوز قدرة الجيش والإدارة على السيطرة عليها. وفي ظل غياب غطاء دولي وإمكانية تصاعد العقوبات الدولية، يبدو أن السيناريو الإسرائيلي في غزة قد يكون أصعب من أي عملية احتلال سابقة شهدتها المنطقة.