غزة بين المطرقة والسندان: تحذيرات المخابرات الإسرائيلية من كارثة محتملة

2025.09.06 - 02:25
Facebook Share
طباعة

كشفت مصادر سياسية وعسكرية إسرائيلية في تل أبيب، الجمعة، عن نقاشات داخلية حادة في الحكومة والقيادة العسكرية حول قرار محتمل بشن عملية احتلال واسعة لمدينة غزة. وأوضحت المصادر أن ضباط الجيش والمخابرات مقتنعون منذ فترة طويلة بأن هذا الاحتلال لن يحقق أيًا من أهداف الحرب، بما في ذلك إجبار حركة «حماس» على الاستسلام أو تحرير الأسرى الإسرائيليين المحتجزين، بل قد يحوّل العملية إلى حرب استنزاف طويلة، باهظة الثمن على جميع المستويات.

 

الجيش الإسرائيلي: مخاطر عالية وتقديرات دقيقة

وفق المراسل العسكري عاموس هرئيل، فإن ضباط وحدة «منسق شؤون الأسرى والمفقودين» أوضحوا لعائلات الأسرى أن العملية المحتملة قد تزيد من مخاطر تعرضهم للخطر، سواء كانوا أحياء أو أموات، لغياب معلومات دقيقة عن أماكن وجودهم. وأكدت العائلات أن استمرار التعاون مع الخطة العسكرية يثير استغرابهم، خصوصًا أن رئيس أركان الجيش اللواء إيال زامير يواصل الدفع بها رغم التحذيرات.

تقديرات الجيش تشير إلى أن احتلال غزة سيكلف أكثر من 100 جندي قتيل، مع نفقات سنوية تصل إلى نحو 30 مليار شيقل على الموارد العسكرية، في ظل مدينة تضم نحو مليون نسمة وشبكة أنفاق واسعة تحت الأرض لم تتضرر إلا جزئيًا خلال الاحتلال السابق في نهاية 2023.

 


حرب العصابات واستراتيجية «حماس»

تحليلات المخابرات الإسرائيلية تؤكد أن «حماس» لن تخوض مواجهة شاملة على غرار معارك المدن الكبرى، بل تعتمد تكتيكات حرب العصابات، مستغلة شبكة الأنفاق والمجتمع المدني لتوجيه ضغوط مستمرة على القوات الإسرائيلية. هذه الاستراتيجية تمكن الحركة من إرهاق الجيش تدريجياً، وتؤكد أن السيطرة الكاملة على غزة ستكون شبه مستحيلة دون دفع تكلفة بشرية ومادية هائلة.


نتنياهو وصراع البقاء

محللون إسرائيليون يشيرون إلى أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أكثر اهتمامًا بصراعه السياسي الداخلي وحماية مستقبله، مقارنة بتحقيق انتصار عسكري واضح. استمرار الدفع باتجاه العملية العسكرية، رغم التحذيرات، يعكس أن العملية تُدار بنصف القوة، وهو ما يطرح تساؤلات حول الدوافع الحقيقية بين الأمن الوطني والمكاسب السياسية.

 


الضغوط الدولية والولايات المتحدة

أشارت المصادر إلى أن الإدارة الأمريكية بدأت تظهر نفَسًا قصيرًا تجاه الحرب الإسرائيلية في غزة، بعد تصريح الرئيس دونالد ترمب بأن إسرائيل «لا تنتصر» في الحرب على الرأي العام. ويؤكد ضابط كبير في المخابرات أن استمرار العمليات العسكرية سيزيد من عزلة إسرائيل دوليًا، ويهدد قدرتها على الحصول على الدعم العسكري واللوجستي الضروري، مع انعكاسات سلبية على موقف الدولة في المحافل الدولية.

 


سيناريوهات الحرب المستقبلية

المحللون العسكريون والسياسيون يرون أن الحرب في غزة قد تنتهي بأحد ثلاثة سيناريوهات:

1. انسحاب جزئي أو كامل لإسرائيل بعد ضغوط دولية أو وساطة أمريكية، مع اتفاق لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.


2. تصعيد مستمر وحرب استنزاف طويلة تكلف إسرائيل ثمناً باهظاً من الأرواح والموارد، وتزيد من العزلة الدولية.


3. سيطرة جزئية على مناطق محددة دون القضاء على «حماس»، مما يجعل غزة ساحة صراع متجددة على المدى الطويل.

 


أي عملية احتلال شاملة ستؤدي إلى كارثة إنسانية كبرى. فغزة، المكتظة بالسكان، ستشهد نزوحًا واسعًا، مع نقص شديد في الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب. كما أن الهجمات الجوية والبرية ستؤدي إلى انهيار البنية التحتية، بما يزيد من معاناة المدنيين ويعقد جهود إعادة الإعمار لاحقًا.

 


الخبراء العسكريون يشيرون إلى أن تجارب الاحتلال السابقة لقطاع غزة، سواء في 2008–2009 أو في 2023، أظهرت صعوبة السيطرة على المدينة بالكامل، خصوصًا مع تكتيكات حرب العصابات وحفر الأنفاق، التي تُكسب «حماس» القدرة على المناورة وممارسة ضغوط مستمرة على الجيش الإسرائيلي. هذه التجارب أكدت أن أي محاولة لاحتلال غزة من شأنها أن تكون مكلفة جدًا، وربما تؤدي إلى نتائج عكسية.


تحذيرات المخابرات الإسرائيلية والمحللين العسكريين تؤكد أن احتلال غزة لن يكون مجرد عملية عسكرية تقليدية، بل مواجهة معقدة قد تجر إسرائيل إلى خسائر بشرية ومادية جسيمة، مع عواقب سياسية ودبلوماسية غير مسبوقة. يبدو أن الحل الأكثر أمانًا يكمن في التفاوض على اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، بما يمنح تل أبيب فرصة لتجنب كارثة أكبر، ويتيح إمكانية «النزول عن الشجرة العالية» التي صعدتها في هذه الحرب.

 


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 3