يشهد لبنان اليوم محاولات حثيثة لمواكبة التحوّل الرقمي بعد سنوات من الأزمات المتلاحقة التي أثرت على مختلف القطاعات. على الرغم من الحركة البطيئة في القطاع الرقمي، يبدو أن لبنان بدأ إدراك أهمية الذكاء الاصطناعي كأحد الركائز الأساسية لمستقبل الدول والمجتمعات الحديثة.
تتسم تقنية الذكاء الاصطناعي بوجهين: أحدهما واعد، والآخر يحمل مخاطر واضحة. فمن الجانب الإيجابي، يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين التشخيص الطبي المبكر، وتسهيل التعليم عبر مساعدات ذكية، وتحليل البيانات البيئية والاقتصادية لتعزيز الاستدامة. هذه القدرات تجعل من الذكاء الاصطناعي أداة فعالة للتقدم الإنساني، وهو ما تسعى إليه بعض الدول في المنطقة.
في لبنان، يعكس كلام وزير المهجرين ووزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، كمال شحادة، هذه الرؤية. فقد أكد أن "التحوّل الرقمي يجب أن يشمل جميع المناطق اللبنانية، وليس فقط العاصمة، وأن يُسخّر لخدمة الإنسان في التعليم والصحة والعمل، وصون كرامته". كما شدد على أهمية تكامل الدين والعلم، واعتبر أن لبنان يمتلك الكفاءات اللازمة ليكون لاعباً فاعلاً في الثورة الرقمية، مع إمكانية التعاون مع دول عربية رائدة مثل الإمارات والسعودية.
لكن الوجه الآخر للذكاء الاصطناعي في لبنان والعالم لا يقل خطورة. فغياب الأطر الأخلاقية والقوانين الصارمة يجعل التقنية عرضة لسوء الاستخدام. يشير خبراء رقميون إلى أن لبنان لا يزال بعيداً عن وضع إطار قانوني متكامل لتنظيم هذا المجال، ما يفتح الباب أمام الانحرافات في الاستخدام، سواء كانت متعمدة أو غير مقصودة.
أحد أبرز المخاطر يتمثل في انتشار الأخبار الكاذبة، وسرقة الهويات، والتأثير على الأطفال. كما برزت حالات مقلقة على الصعيد الدولي، منها حادثة خبير أمريكي قتل والدته ثم انتحر، بعد أن أثرت محادثاته مع أحد برامج الذكاء الاصطناعي على تفكيره. هذا المثال يوضح أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية، بل يحمل تأثيرات عميقة على الصحة النفسية والسلوك البشري.
ولذلك، يشدد الخبراء على ضرورة توجيه الذكاء الاصطناعي نحو قيم أخلاقية صارمة. المسؤولية والمساءلة يجب أن تكون محور تطوير واستخدام هذه التقنية، مع شفافية الخوارزميات لضمان فهم كيفية اتخاذ القرارات وكشف أي تحيزات محتملة. كما يجب وضع بروتوكولات أمان صارمة لحماية المستخدمين من أي ضرر جسدي أو نفسي.
يبقى الذكاء الاصطناعي أداة بيد الإنسان، ويمكن أن يكون قوة هائلة إذا ما تم استثماره بشكل صحيح. من خلال وضع أطر تنظيمية وأخلاقية واضحة، يمكن للبنان أن يستفيد من هذه الثورة التكنولوجية لتعزيز التنمية، التعليم، الصحة، والاقتصاد الرقمي. أما إذا استمر التعامل مع التقنية دون ضوابط، فإن المخاطر قد تتضاعف وتصبح تهديداً حقيقياً للمجتمع بأسره.
في النهاية، ليس الذكاء الاصطناعي قدرًا محتوماً يسير بالبشرية في اتجاه واحد، بل هو انعكاس لاستخدام الإنسان له. لبنان، برغم التحديات، أمام فرصة لإثبات أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون شريكاً في التقدم، شرط أن تُسخّر هذه التكنولوجيا لخدمة القيم الإنسانية وحماية المجتمع من مخاطرها الداهمة.