مصر ترفض ضغوط نتنياهو: الغاز لن يتحول إلى ورقة ابتزاز سياسي

2025.09.06 - 11:51
Facebook Share
طباعة

أعادت تسريبات إسرائيلية حديثة فتح ملف الغاز بين مصر وإسرائيل، بعدما كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن توجيهات من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعدم المضي في تمديد الاتفاق المبرم مع القاهرة عام 2019 دون إعادة مراجعته. وبرغم أن الجانب الإسرائيلي حاول تصوير الخطوة كإجراء فني مرتبط باتفاقية السلام، فإن أوساط مصرية وصفتها بأنها محاولة للضغط على القاهرة لإبداء مرونة في ملف التهجير من غزة، وهو ما ترفضه القيادة المصرية بشكل قاطع.

 

اتفاقية توريد الغاز بين القاهرة وتل أبيب وُقّعت في عام 2019، وامتدت لخمسة عشر عامًا بقيمة تقدَّر بـ 35 مليار دولار. الاتفاق نصّ على ضخ مليار قدم مكعبة من الغاز يومياً إلى مصر، قبل أن تُرفع الكمية لاحقًا إلى 1.5 مليار قدم مكعبة، دون زيادة في الأسعار، بعد مفاوضات شاقة رفضت خلالها القاهرة أي ابتزاز مالي أو سياسي.

بالنسبة لمصر، الاتفاق ليس غاية بحد ذاته، بل جزء من خطة لتحويل البلاد إلى مركز إقليمي للطاقة، مستفيدة من البنية التحتية لمحطات الإسالة في إدكو ودمياط، ومن موقعها الجغرافي كبوابة لتصدير الغاز إلى أوروبا. وفي المقابل، ترى إسرائيل في الاتفاقية منفذًا لتسويق غازها عبر الأراضي المصرية إلى الأسواق العالمية.

تصريحات مصرية حاسمة

في حديثه لـ العربية نت، شدد المهندس أسامة كمال، وزير البترول الأسبق، على أن أي خطوة من نتنياهو لتعليق أو إلغاء الاتفاق "سترتد سلبًا على الداخل الإسرائيلي قبل أن تمس القاهرة". وأوضح أن الكنيست والرأي العام سيعاقبان رئيس الوزراء إذا أوقف اتفاقاً وقّعه بنفسه، خاصة أن انعكاساته الاقتصادية ستكون مباشرة على الإسرائيليين.

كمال أضاف أن مصر ليست رهينة للغاز الإسرائيلي، فهناك بدائل عديدة، بينها الاعتماد على المازوت، واستغلال 3 سفن تغويز قائمة، ورابعة ستدخل الخدمة بنهاية 2025، بالإضافة إلى الإنتاج المحلي. "هذه البدائل – يقول كمال – تمنح القاهرة القدرة على مواجهة أي ضغوط سياسية مرتبطة بملف الطاقة، بل وتتيح لها تسييل الغاز المصري وتصديره، مع تحصيل رسوم الإسالة والعبور".

أما اللواء أسامة محمود كبير، المستشار بكلية القادة والأركان، فقال لـ "العربية.نت" و**"الحدث.نت"** إن التهديد الإسرائيلي "يُعبّر عن مأزق داخلي أكثر منه ورقة ضغط خارجية". وأوضح أن الحكومة الإسرائيلية تواجه انتقادات لاذعة بعد فشلها في تحقيق أهدافها المعلنة من حرب غزة، سواء في ملف الأسرى أو في الحسم العسكري. وأضاف: "تل أبيب تحاول عبر الغاز أن تفرض معادلة جديدة على القاهرة، لكنها تتجاهل أن مصر وضعت منذ عامين خطة شاملة لتأمين حدودها الشرقية، خصوصًا بعد أحداث ممر فيلادلفي".

 

فيما يرى مراقبون أن الأزمة الراهنة تكشف عن محاولة إسرائيلية خلط ملفات الطاقة بالسياسة. فالتسريبات الإعلامية تتزامن مع تصعيد إسرائيلي في ملف معبر رفح، والضغط المتواصل لفتح الباب أمام تهجير الفلسطينيين غربًا. بالنسبة للقاهرة، فإن هذه الأوراق مرتبطة مباشرة بأمنها القومي، وبالتالي فهي غير قابلة للمساومة، مهما بلغت كلفة القرارات الاقتصادية.

وفي المقابل، لا يخلو المشهد من اعتبارات داخلية إسرائيلية. فنتنياهو، الغارق في أزماته السياسية والقضائية، يسعى لاستثمار ورقة الغاز لإظهار أنه قادر على اتخاذ قرارات حاسمة، حتى لو كانت على حساب الاستقرار الإقليمي. غير أن محللين يرون أن هذه المناورة لن تصمد طويلًا، لأن الاقتصاد الإسرائيلي نفسه يعتمد على استمرار صادرات الغاز عبر مصر كمنفذ رئيسي للأسواق الخارجية.

مصر: بدائل متاحة واستراتيجية راسخة

تشدد القاهرة على أن أمنها الطاقوي لم يعد مرهونًا بأي طرف. فإلى جانب تطوير حقولها البحرية، مثل "ظهر"، ضاعفت استثماراتها في البنية التحتية، وأطلقت خطة لتوسيع قدرات الإسالة والتصدير. وتقول مصادر بقطاع البترول إن مصر تستطيع – في حال وقف الغاز الإسرائيلي – توفير ما يصل إلى 3 مليارات قدم مكعبة عبر بدائل محلية ودولية، ما يجعلها في وضع مريح نسبيًا لمواجهة أي ضغوط.

ما وراء الضغوط

يرى الخبراء أن خطوة نتنياهو تهدف بالأساس إلى تقييد قدرة مصر على رفض التهجير. فالقاهرة تقف بوضوح ضد أي محاولة لدفع الفلسطينيين إلى سيناء، معتبرة ذلك تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. لذا، فإن التلويح بملف الغاز ليس سوى أداة لإعادة فتح هذا النقاش تحت ضغط اقتصادي.

غير أن هذه الاستراتيجية قد تأتي بنتائج عكسية. فإقدام نتنياهو على تجميد الاتفاق لن يضر مصر بقدر ما سيُربك الاقتصاد الإسرائيلي، ويعمّق من أزماته الداخلية. كما سيضعف الثقة في تل أبيب كشريك تجاري، في وقت تعتمد فيه على تحالفات اقتصادية لتعويض خسائرها السياسية والدبلوماسية.

 

في ضوء المعطيات الحالية، تبدو القاهرة في موقع أقوى مما تحاول التسريبات الإسرائيلية تصويره. فمصر لم تكتفِ بتأمين بدائلها الطاقوية، بل رسّخت استراتيجية وطنية تربط بين حماية الأمن القومي ومواجهة الضغوط الخارجية. أما تل أبيب، فهي تسعى لاستخدام ملف الغاز كوسيلة ابتزاز، لكن المردود العملي قد يكون عكسياً، عبر كشف حجم أزماتها الداخلية وعجزها عن فرض إرادتها على أكبر دولة عربية حدودية مع غزة.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 9