في خطوة غير مسبوقة على مستوى القادة السياسيين، أجرى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أول حوار له على الإطلاق مع منصة إعلامية مجهولة النسب على تليجرام تُعرف باسم "أبو علي إكسبريس". الحوار الذي تناول فتح معبر رفح أمام الفلسطينيين للتهجير أو حرية اختيار مكان سكنهم، شكّل صدمة للصحافة الإسرائيلية والدولية، وأعاد رسم حدود العلاقة بين الزعماء السياسيين ووسائل الإعلام الرقمية الحديثة.
يُعتبر هذا الحوار الأول من نوعه لرئيس دولة عالمي مع منصة مجهولة، وهو حدث مؤرخ يمكن اعتباره نقطة تحول في كيفية توجيه الرسائل السياسية في ظل الصراعات الإقليمية.
منصة مجهولة… لكن تاريخها الإعلامي يثير الاهتمام
من الوهلة الأولى، قد تبدو قناة "أبو علي إكسبريس" مجرد منصة منتحلة اسمًا شهيرًا لجذب الانتباه وزيادة الترافيك، إلا أن الأحداث أثبتت أن القناة كانت مصدرًا سريعًا وموثوقًا لنقل الأخبار خلال الحرب الحالية، وفي السنوات السبع الماضية تحديدًا فيما يخص الملف العربي الإسرائيلي، وأخبار العرب داخل إسرائيل.
صحفيون عبريون وإسرائيليون لاحظوا أن القناة تنقل معلومات أسرع من وسائل الإعلام التقليدية، خصوصًا في توثيق التطورات الميدانية والسياسية، وهو ما منحها شعبية غير متوقعة، رغم وضوح هدفها في توجيه الرأي العام.
المؤسس والصلات العسكرية
في 2021، كشفت هآرتس أن صاحب القناة هو جلعاد كوهين، ضابط صغير سابق في الجيش الإسرائيلي، عمل في عدة مناصب، كان آخرها مستشارًا في مجال "الحرب النفسية والعمليات الدعائية" وفق عقد مع جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF).
أظهرت التحقيقات الصحفية أن كوهين كان مرتبطًا بقائد المنطقة الجنوبية آنذاك، هرتسي هاليڤي، الذي أصبح لاحقًا رئيس الأركان. هذا الرابط منح القناة بعدًا أمنيًا وسياسيًا مهمًا، حيث كانت المعلومات التي تنشرها أحيانًا متوافقة مع استراتيجيات الجيش أو تصرفاته غير المعلنة.
بعد استقالة هاليڤي من منصبه، أصدر بيانًا قويًا قال فيه:
"إن مسئوليتي عن الفشل الذريع ترافقني كل يوم، ساعة بساعة، وستظل كذلك لبقية حياتي."
كما أعرب لاحقًا عن قلقه من الوضع المصري، مؤكدًا أن الأمور قد تنقلب في أي لحظة، وهو ما يربط الحوارات الأخيرة لنتنياهو بأبعاد أمنية حقيقية تتجاوز مجرد نقاش إعلامي.
المصداقية النسبية للمنصة
رغم عدم وجود صلة رسمية معلنة بين الجيش والقناة، أشارت تقارير صحفية إلى أن قيادات عسكرية كانت تطلب الاطلاع على ما يُنشر فيها، مما منحها مصداقية إضافية.
في الوقت نفسه، اعتمدت القناة سياسة هجومية واضحة ضد الصحفيين والسياسيين الذين ينتقدون الجيش أو الحكومة، بدون أن يتورط أي طرف رسمي، وهو ما جعلها منصة مؤثرة في توجيه الرأي العام الإسرائيلي، رغم الطابع الدعائي الواضح لمحتواها.
افتتاحية هآرتس يوم 19 أغسطس 2021 وصفت القناة بأنها أداة لاستغلال أموال دافعي الضرائب في "نشاط دعائي يشوّه سمعة الصحافة المستقلة والمهنية، بدلًا من استثمارها في الأمن وشؤون الدفاع".
الحوار التاريخي: نتنياهو على خط المنصة الرقمية
أمس، خلال الحوار مع المحاوِر المجهول الهوية الذي ارتدى كابًا أسود ولم يكشف عن نفسه، سُئل نتنياهو عن مدى متابعته للقناة، فرد مبتسمًا:
"أحيانا… بس أنت عارف، رئيس الحكومة عنده مصادر تانية للمتابعة. ولكن القناة بتعمل خبطات كويسة."
التصريح، رغم خفته الظاهرية، يعكس إدراكًا جديدًا لنتنياهو حول دور الإعلام الرقمي المستقل أو شبه المستقل في صناعة الرأي العام، خاصة في الأوقات الحرجة والأزمات. ويؤرخ هذا الحدث كخطوة غير تقليدية في استخدام وسائل الإعلام الحديثة للرسائل السياسية، بعيدًا عن الرقابة التقليدية والتقليدية للصحافة الرسمية.
لماذا اختار نتنياهو تليجرام؟
اختيار نتنياهو لمنصة مجهولة يعكس مجموعة من المؤشرات الاستراتيجية:
1. تجاوز وسائل الإعلام التقليدية: محاولة لتوجيه الرسائل مباشرة إلى جمهور محدد دون رقابة أو تحريف من وسائل الإعلام الكبرى.
2. تجربة التفاعل المباشر: تليجرام يسمح بنشر محتوى سريع وردود فعل فورية، ما يتيح رصد المزاج العام.
3. اختبار المنصات الرقمية الجديدة: ربما يرسم نتنياهو نموذجًا مستقبليًا لاستخدام القنوات الرقمية في الأزمات، بما يشمل الحروب والنزاعات الداخلية والخارجية.
حوار نتنياهو مع "أبو علي إكسبريس" ليس مجرد مقابلة غريبة، بل يمثل لحظة تاريخية في الإعلام والسياسة على مستوى العالم، حيث يتجه الزعيم الإسرائيلي إلى منصات رقمية مجهولة للتواصل مع الجمهور، وتجاوز قواعد الإعلام التقليدي.
الحدث يضع تساؤلات حول مستقبل الإعلام الرقمي، وعلاقته بالقادة السياسيين، ومدى استخدامه كأداة للتوجيه السياسي والأمني، وهو ما سيبقى محط دراسة وتحليل في الصحافة الدولية لسنوات قادمة.