لم تعد التحذيرات والانتقادات تأتي فقط من الخارج، بل إن الإعلام الإسرائيلي ذاته بدأ يقرّ بعمق المأزق الذي تمر به الدولة العبرية. صحيفة يديعوت أحرونوت، إحدى أكبر الصحف الإسرائيلية انتشاراً، وصفت الوضع الراهن بأنه «أحلك فصل في القرن الحادي والعشرين»، محذّرة من أن تل أبيب تواجه «تسونامي دبلوماسياً» غير مسبوق بسبب استمرار حربها على غزة وتداعياتها المتفاقمة.
هذا الاعتراف العلني من داخل إسرائيل يعكس حجم القلق الذي بدأ يتسرب إلى دوائر صنع القرار، ويكشف أن الأزمة لم تعد مجرد انتقادات دولية عابرة، بل تحولت إلى عزلة حقيقية تضع إسرائيل في موقع دفاعي حتى أمام حلفائها التقليديين.
من النقد إلى العزلة: أوروبا تغيّر لهجتها
الصحافة الإسرائيلية أشارت إلى أن أخطر ما تواجهه تل أبيب اليوم هو التحول الأوروبي الواضح. فقد ذكرت يديعوت أن العواصم الأوروبية لم تعد تكتفي ببيانات «القلق» التقليدية، بل انتقلت إلى إجراءات عملية تحمل طابع العقوبات. بلجيكا كانت المثال الأبرز، بعدما أعلنت نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الأمم المتحدة، وفرضت 12 عقوبة مباشرة على إسرائيل، بينها حظر استيراد منتجات المستوطنات وقيود على سفر مسؤولين ومستوطنين.
صحيفة هآرتس بدورها نبّهت إلى أن الموقف الإسباني والإيطالي يضيف طبقة جديدة من العزلة. ففي مدريد، تحدث رئيس الوزراء بيدرو سانشيز عن «المعايير المزدوجة» لأوروبا تجاه إسرائيل مقارنة بأوكرانيا، واعتبر أن رد القارة على حرب غزة «من أحلك فصول العلاقات الدولية في القرن الحالي». أما روما، فانتقلت من دعم مشروط إلى إدانة علنية، حيث وصفت رئيسة الوزراء جورجا ميلوني الغارات الإسرائيلية بأنها «غير متناسبة»، وهو توصيف غير معتاد في الخطاب الإيطالي.
تركيا تقطع الجسور… وإسرائيل ترد بالهجوم
التحول الأبرز الذي رصدته الصحف الإسرائيلية هو قرار أنقرة قطع العلاقات الرسمية مع تل أبيب وإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الحكومية والعسكرية الإسرائيلية. صحيفة معاريف وصفت الخطوة التركية بأنها «تصعيد غير مسبوق يعكس عزلة إسرائيل المتنامية»، مشيرة إلى أن الرد الإسرائيلي جاء عبر وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي نشر صورة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع إسماعيل هنية، في محاولة لتشويه دوافع القرار التركي.
حتى واشنطن… «الداعم التاريخي» يرسل إشارات مقلقة
هآرتس لفتت في تحليلها الأخير إلى أن أخطر الإشارات لم تأتِ من بروكسل أو أنقرة، بل من واشنطن نفسها. فالرئيس الأميركي دونالد ترمب، المعروف بولائه المطلق لإسرائيل، لم يتردد في القول إن تل أبيب «قد تربح الحرب عسكرياً لكنها تخسر في معركة الرأي العام»، مضيفاً أن اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس «لم يعد بالقوة التي كان عليها». هذا التصريح، القادم من أكثر حلفاء إسرائيل قرباً، يضيف إلى الشعور بالعزلة الذي يخيّم على المشهد الإسرائيلي.
نتنياهو محاصر بلغة التحدي
صحيفة يديعوت رصدت كيف يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مواجهة هذه الموجة عبر لغة هجومية، فاتهم بلجيكا بأنها «تضحي بإسرائيل لإرضاء الإرهاب الإسلامي». غير أن المعلقين الإسرائيليين أنفسهم يرون أن هذه اللغة لم تعد قادرة على تغيير واقع عزلة إسرائيل المتزايدة، بل إنها تكشف ارتباك القيادة في التعامل مع الضغط الخارجي.
حرب غزة كاشفة للوجه الإسرائيلي
الصحف الإسرائيلية تكاد تتفق على أن حرب غزة تحولت إلى مرآة عاكسة تكشف هشاشة مكانة إسرائيل الدولية. فمنذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، كانت هناك تقلبات في صورة إسرائيل الخارجية، لكن الأسابيع الأخيرة مثّلت الذروة في الانتقادات والعزلة. ومع التحضيرات الإسرائيلية لهجوم بري جديد على مدينة غزة، ترى التحليلات الإسرائيلية أن هذا الفصل قد يعيد صياغة موقع تل أبيب في النظام الدولي لعقود قادمة.