في خطوة جديدة تحمل في طياتها تصعيداً خطيراً، نشر المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي مقطعاً مصوراً يوضح فيه مواقع عشرات البنايات متعددة الطوابق داخل مدينة غزة، ملوحاً باستهدافها خلال الأيام المقبلة. وبرر الاحتلال هذه التهديدات بأنها أبنية تستخدم – بحسب زعمه – لأغراض عسكرية ومراقبة ولنشاطات "مشبوهة"، في محاولة لإضفاء شرعية على ما قد يكون حملة قصف واسعة النطاق.
غير أن الواقع على الأرض يروي قصة أخرى. فهذه البنايات ليست مجرد كتل إسمنتية، بل تحتضن مئات العائلات الفلسطينية، بينهم نساء وأطفال وشيوخ، إضافة إلى آلاف النازحين الذين لجأوا إليها بعد أن فقدوا منازلهم في جولات سابقة من القصف. وبذلك، فإن أي هجوم جديد لن يعني سوى مضاعفة الكارثة الإنسانية، وتحويل الأبراج إلى مقابر جماعية فوق رؤوس سكانها.
التهديد باستهداف هذه المباني يأتي في وقت يعيش فيه سكان غزة ظروفاً إنسانية قاسية، حيث الحصار الطويل وانعدام الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ودواء، إلى جانب انهيار البنية التحتية بفعل القصف المتواصل منذ شهور. وما يزيد الوضع قتامة أنّ الاحتلال يوظف خطاب "الاستخدام العسكري" كذريعة جاهزة لتبرير استهداف أي مبنى، متجاهلاً وجود المدنيين داخله.
الرسالة التي أراد الاحتلال إيصالها واضحة: "لا مكان آمناً في غزة". فاستهداف الأبراج يعني ضرب قلب المدينة وحرمان الناس من آخر المساحات التي احتموا بها. كما أن هذه التهديدات تحمل بعداً نفسياً يهدف إلى زرع الرعب في نفوس السكان، وإرسال إشارة بأن الاحتلال ماضٍ في معركته حتى لو كان الثمن سحق مدينة كاملة بما فيها من بشر وحجر.
على المستوى السياسي، يرى مراقبون أن هذا التلويح بالتصعيد يندرج في إطار الضغط على المقاومة ومحاولة فرض معادلات جديدة في الميدان، عبر استخدام المدنيين كورقة مساومة. لكن هذه السياسة، كما في كل مرة، لا تؤدي إلا إلى زيادة عزلة إسرائيل دولياً، وفتح باب الانتقادات بشأن جرائم الحرب والانتهاكات الممنهجة ضد المدنيين.
غزة اليوم تقف على حافة كارثة إنسانية جديدة. التهديد بقصف اخر الأبراج السكنية يعني أن المدينة قد تتحول إلى ركام، وأن آلاف العائلات ستجد نفسها في العراء مجدداً، في وقت لم يعد فيه أي مأوى أو بنية تحتية قادرة على استيعاب المزيد من النزوح. وبينما يبرر الاحتلال عملياته بلغة "الأمن" و"محاربة الإرهاب"، فإن الواقع يكشف صورة مغايرة: استهداف المدنيين وتشريدهم، وتركهم فريسة للخوف والرعب والدماء التي تغطي شوارع المدينة.