لم يعد الجدل حول «حصر السلاح بيد الدولة» مجرّد ملف إداري أو بند في البيان الوزاري، بل تحوّل إلى امتحان حقيقي لقدرة الحكومة اللبنانية على الصمود وسط الانقسامات الداخلية والتوترات الإقليمية المتفجرة. اليوم، تعقد الحكومة جلسة مخصصة لعرض خطة الجيش بشأن هذا القرار، في لحظة مشحونة تحمل في طياتها رسائل سياسية وأمنية متشابكة.
أجواء مشدودة داخل الحكومة
منذ الإعلان عن الجلسة، بدت ملامح الانقسام واضحة. «حزب الله» رفع سقف اعتراضه، واعتبر أن القرار يستهدف «سلاح المقاومة» بشكل مباشر، ولوّح بخيار النزول إلى الشارع إذا لم يتم التراجع عنه. في المقابل، تمسكت قوى أخرى بمبدأ الحصرية، معتبرةً أنه الطريق الوحيد لتثبيت سلطة الدولة وإعادة ثقة الداخل والخارج بها. وسط هذه التجاذبات، طرح الرئيس جوزيف عون مقترحات لتقليل حدة الخلاف، من بينها صدور بيان رسمي يعيد التأكيد على المبدأ دون التزام بمواعيد تنفيذ محددة، بما يمنح الحكومة هامشاً من المناورة ويؤجل الانفجار السياسي.
رسائل إسرائيلية بالنار
لم يكن المشهد الداخلي وحده تحت الضغط؛ فإسرائيل اختارت أن تبعث برسائلها عبر الميدان. عشية الجلسة، شنّت طائراتها غارات استهدفت منشأة صناعية في بلدة أنصارية جنوب لبنان، على بعد 35 كيلومتراً فقط من الحدود. الضربة أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص، وشكّلت تصعيداً نوعياً حمل أكثر من رسالة: أولاً، تحذير واضح للحكومة اللبنانية من الاقتراب من معادلة السلاح التي تمثل بالنسبة إلى إسرائيل خطاً أحمر، وثانياً، محاولة إرباك الداخل اللبناني ودفعه نحو الانقسام.
خيارات ضيقة أمام الدولة
أمام هذه المعطيات، تبدو الحكومة محصورة بين ثلاثة مسارات لا رابع لها: السير في بيان توافقي يحفظ ماء الوجه، أو تجميد القرار عملياً مع إبقائه قائماً نظرياً، أو الدخول في مواجهة سياسية وأمنية مفتوحة مع «حزب الله» وما يعنيه ذلك من تهديد للاستقرار الداخلي. المتابعون يرجحون أن يميل مجلس الوزراء إلى الخيار الأول، أي اعتماد صيغة وسطية تؤجل الأزمة بدل أن تحلها، بما يتيح استمرار الحكومة في أداء مهامها على الأقل في المدى القصير.
سياق أوسع من لبنان
غير أن ما يجري في بيروت لا يمكن عزله عن الإطار الإقليمي الأوسع. التصعيد الإسرائيلي في غزة وجنوب لبنان، إلى جانب الضغوط الدولية المتزايدة على «حزب الله» وتنامي المواجهة غير المباشرة مع إيران، كلها عوامل تجعل من قرار «حصر السلاح» أكثر من مجرد ملف لبناني. إنه حلقة في سلسلة معقدة من الصراعات التي تتقاطع فيها الجغرافيا اللبنانية مع مصالح إقليمية ودولية متشابكة.
محطة مؤجلة لا حلاً نهائياً
الجلسة الحالية، حتى لو خرجت ببيان يرضي جميع الأطراف ظاهرياً، لن تكون نهاية المطاف. فالقضية أعمق من مجرد نص حكومي أو موقف رسمي، وهي مرتبطة ببنية النظام اللبناني الهش، وبمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي رُسّخت بعد حرب تموز 2006. لذلك، فإن أي خطوة في هذا الاتجاه لن تكون سوى تأجيلاً للاشتباك المقبل، إلى أن تفرض الظروف الإقليمية والدولية تسوية أوسع.