قبل أقل من عشرين ساعة من جلسة مجلس الوزراء المرتقبة، لا تزال الصورة العامة غامضة وملتبسة، حيث يواصل وزراء الثنائي الشيعي فرض شروطهم الواحدة تلو الأخرى للمشاركة في الجلسة. آخر هذه الشروط تمثل في رفضهم حضور الجلسة إذا ما بدأ النقاش بخطة السلاح، مطالبين بأن يكون بند السلاح هو البند الأخير على جدول الأعمال. يبدو أن رئيسي الجمهورية والحكومة يتعاطيان بمرونة مع هذه المطالب، مع التركيز على الجوهر والهدف الأساسي بدلاً من الانشغال بالتفاصيل الشكلية، فالأساس بالنسبة لهما هو عدم التراجع عن القرارات التي اتخذت في جلستي الخامس والسابع من أغسطس، وكذلك التأكيد على أن خطة الجيش ستُبحث في إطار مجلس الوزراء غداً، وستقر مبدئياً بزمن محدد قدره خمسة عشر شهراً، مع إمكانية تعديل هذه المهلة بالتوافق مع قيادة الجيش إذا اقتضت الضرورة.
الموقف الذي يتخذه وزراء الثنائي، سواء عند مناقشة الخطة أو عند طرحها على التصويت، يعكس استمرار نهجهم المعروف من الجلسات السابقة لكنه بلا أثر عملي على القرار، إذ أن التصويت إذا ما جرى سيكون لصالح خطة الجيش، بما أن جميع المكونات السياسية الأخرى تدعم حصر السلاح بيد القوى الشرعية. ويعكس هذا التصويت المزاج الشعبي اللبناني، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة Statify أن حوالي ستة وستين بالمئة من اللبنانيين يؤيدون حصر السلاح بيد الجيش، ويعتبرون أن سلاح الحزب غير قادر على ردع إسرائيل أو مواجهتها، ما يضع حجج الثنائي حول الميثاقية في إطار ضعيف، لأن الميثاقية ترتبط بالمسيحيين والمسلمين عند تشكيل الحكومات أو الوظائف العامة أو تعديل الدستور، وليس في تصويت داخلي لمجلس الوزراء.
المشهد الإعلامي يسلط الضوء على تباين القراءات والتقديرات، ففي مقدمة تلفزيون المنار مثلاً، يتم تصوير النقاش حول السلاح كجزء من حملة عدائية ضد حزب الله، ووصم بعض اللبنانيين بأنهم يحاصرون المقاومة أو يضعون أنفسهم في خندق العدو الإسرائيلي، مستشهدة بتصريحات مسؤول سابق في الشاباك الإسرائيلي عن وجود قوى حليفة لإسرائيل في لبنان. وتشير المقدمة إلى أن محاولة هؤلاء الحلفاء إعادة إنتاج تحالفات التاريخ السابقة دون النظر إلى النتائج الفعلية ستكون مضيعة للوقت، وأن أي تحدي متهور قد يضع لبنان أمام مخاطر جسيمة. وتستند هذه الرؤية إلى ما شهدته مناطق جنوبية مثل شبعا والخيام، حيث التعرض المستمر من إسرائيل لمظاهر المقاومة والقرى اللبنانية، وما يرافقها من صمت الدولة الرسمي عن عدد كبير من الاعتداءات.
على الجانب الآخر، تركز مقدمة تلفزيون أو تي في على السيناريوهات الثلاثة الممكنة للجلسة، أولها التأجيل نتيجة النقاشات المسبقة حول حصرية السلاح والاختلافات الداخلية، مما قد يضطر مجلس الوزراء لعقد جلسات لاحقة لاستكمال النقاش. أما السيناريو الثاني فيتمثل في التسوية، ويعتمد على جهود الوساطات الداخلية والخارجية، مع الاعتراف بضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، وهو ما يربط القرارات السياسية بأولوية حماية الدولة والمجتمع من اعتداءات خارجية، كما أشار رئيس الحكومة نواف سلام إلى أهمية التزام المجتمع الدولي بوقف الاعتداءات واحترام السيادة اللبنانية. أما السيناريو الثالث فهو الأكثر خطورة، ويتمثل في تشدد الأطراف حول السلاح مقابل استخدامه كأداة للمزايدات الشعبوية، ما قد يضع المعتدلين بين مطرقة المواقف المتشددة وسندان التوتر الاجتماعي، ويهدد البلاد بالانزلاق نحو صراعات داخلية.
يبقى حصر السلاح بيد الجيش اللبناني شرطاً أساسياً لبقاء الدولة ومؤسساتها، بينما يُعد الحوار الداخلي بين اللبنانيين ضرورة لتجنب الفتن والحروب الأهلية التي لن ينتصر فيها أحد، وستخسر جميع المكونات الوطنية بنتائجها. ويظل البحث عن مخارج توافقية قبل جلسة الغد حاسماً، إذ أن أي تعنت أو استهتار بالتداعيات سيؤدي إلى تفاقم التوتر، ويجعل من الخطوة القادمة في مجلس الوزراء لحظة فاصلة في إدارة الدولة اللبنانية وحماية مستقبلها السياسي والاجتماعي، بما يتجاوز مجرد النقاش حول خطة الجيش، ليصبح اختباراً حقيقياً للقدرة على التوازن بين الحفاظ على السيادة ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية في الوقت نفسه.