وصلت العملية الانتخابية غير المباشرة لتشكيل مجلس الشعب السوري إلى مراحل متقدمة، بعد أن قامت اللجنة العليا لانتخابات المجلس بتشكيل اللجان الفرعية المكلفة بالإشراف على العملية في مختلف الدوائر الانتخابية. هذه الانتخابات تُنظر إليها في دمشق بوصفها خطوة أساسية في المرحلة الانتقالية التي يقودها الرئيس أحمد الشرع، حيث يُتوقع أن تؤثر في المشهد السياسي السوري لسنوات قادمة، ما يجعل متابعة تفاصيلها أمراً بالغ الأهمية لفهم خارطة المستقبل السياسي.
تم تأسيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب بموجب المرسوم الرئاسي رقم 66 الصادر في 13 يونيو/حزيران 2025، برئاسة محمد طه الأحمد، وعضوية عشرة أعضاء آخرين. استند المرسوم إلى المادة 24 من الإعلان الدستوري، التي تمنح المجلس السلطة التشريعية حتى اعتماد دستور دائم، مع ولاية تمتد 30 شهراً قابلة للتجديد. وتشمل صلاحيات المجلس وفق المواد 25 و30 و38 اقتراح القوانين، تعديل أو إلغاء التشريعات السابقة، المصادقة على المعاهدات الدولية، إقرار الموازنة العامة، والعفو العام، إضافة إلى التفاعل مع رئيس الجمهورية في إصدار القوانين واعتراضها.
على صعيد العملية الانتخابية، بدأت اللجنة العليا أعمالها في 18 يونيو/حزيران بمؤتمر صحفي، ثم أجرت لقاءات ميدانية شملت المسؤولين الحكوميين، ممثلي المجتمع، بعض النقابات والقادة الدينيين، إضافة إلى سفراء وبعثات دولية، لا سيما مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى سورية. ورافق ذلك تشكيل لجنة قانونية لتقديم الاستشارات القانونية ومتابعة سلامة الإجراءات.
في 20 أغسطس/آب 2025، أصدر الرئيس الشرع المرسوم رقم 143 للمصادقة على النظام الانتخابي المؤقت، الذي وسّع عدد مقاعد المجلس من 150 إلى 210، وزاد حصة المحافظات. ووضعت معايير صارمة للترشح، منها عدم الانتماء للنظام السابق أو التنظيمات الإرهابية، واستيفاء شروط العمر والجنسية والإقامة، إلى جانب استبعاد المنتسبين للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والوزراء السابقين. كما تضمنت نسباً إلزامية لتمثيل المرأة (20% على الأقل)، ذوي الإعاقة (3%)، المهجرين، الشهداء والناجين من المعتقلات.
حتى الثالث من سبتمبر/أيلول، أتمّت اللجنة العليا مراجعة القوائم الأولية للجان الفرعية بعد الطعون القضائية، إذ استقبلت لجان الطعون نحو 36 طعناً، وتم قبول بعضها، مع تعيين بدلاء للمتضررين. بينما تُستكمل باقي مراحل العملية بانتخاب أعضاء الهيئة الناخبة، ثم تقديم طلبات الترشيح لمجلس الشعب، يليها الدعاية الانتخابية لمدة 7 أيام، والاقتراع السري المباشر لمدة 3 ساعات قابلة للتمديد، مع إشراف أمني كامل وحق المراقبة للمرشحين ووسائل الإعلام والبعثات الدبلوماسية.
بعد الفرز وإعلان النتائج الأولية ومعالجة الطعون، تصدر اللجنة العليا القائمة النهائية للفائزين، ويصدر رئيس الجمهورية مرسوماً بتسمية أعضاء المجلس، بما في ذلك الثلث المعين من قبله. وفي غضون ثلاثة أيام من المرسوم، يُعقد أول اجتماع للمجلس، حيث يتم انتخاب الرئيس ونوابه وأمين السر، يلي ذلك أداء الأعضاء للقسم، لتدخل ولاية المجلس حيز التنفيذ رسمياً.
من خلال هذه الخطوات، يبدو أن سوريا تسعى لإنشاء مجلس شعب جديد قادر على لعب دور تشريعي مركزي خلال مرحلة انتقالية دقيقة، مع مراعاة التمثيل المجتمعي والتنوع السياسي والاجتماعي، في محاولة لبلورة مرحلة سياسية قد تحدد شكل الحكم والعلاقات الداخلية في العقد المقبل.