التمويل الداخلي للجماعات المسلحة في الوطن العربي يمثل عاملاً حاسماً في استمرار نشاطها، حيث توفر الموارد المحلية القدرة على الصمود، شراء الأسلحة، وتنفيذ العمليات المسلحة، غالباً ما ينبع هذا التمويل من اقتصاد الظل والأنشطة غير الرسمية، مثل تهريب السلع، تجارة المخدرات والأسلحة، واستغلال الموارد الطبيعية، ويشكل العمود الفقري لاستمرار التنظيمات المتطرفة في مناطق النزاعات.
مصادر التمويل الداخلية:
تتنوع الموارد التي تعتمد عليها الجماعات، أبرزها تهريب المواد الأساسية والأسلحة، واستغلال الأراضي والمصادر الطبيعية، في ليبيا، سيطرت التنظيمات المسلحة على مناطق بعد انهيار الدولة المركزية لتدير شبكات تهريب النفط والموارد الحيوية، ما منحها استقلالية مالية كبيرة. في سوريا والعراق، استخدمت الجماعات الأسواق غير الرسمية والتهريب عبر الحدود لتغطية نفقاتها، بينما في اليمن، استغلت شبكات محددة الفراغ الأمني لفرض رسوم على التجار واستغلال طرق التهريب التقليدية.
تُستخدم أيضاً التبرعات المجتمعية أحياناً كغطاء قانوني، حيث يقدم الأفراد مساهمات باسم القيم الدينية أو الوطنية، ما يجعل تتبع الأموال صعباً ويعزز قدرة التنظيمات على التوسع واستمرار العمليات.
أثر التمويل على المجتمع:
التمويل الداخلي يمنح التنظيمات القدرة على شراء المعدات وتمويل العمليات المسلحة، ما يؤدي إلى استمرار دائرة العنف في المناطق المستهدفة، ضعف الرقابة على النشاطات الاقتصادية غير الرسمية يفتح المجال أمام الشباب للانخراط في الجماعات المسلحة بدوافع مادية أو شعور بالانتماء.
على المستوى الاقتصادي، يؤدي هذا الوضع إلى تعطيل فرص الاستثمار وتشجيع ثقافة انتهاك القانون، بينما تتحول بعض المناطق إلى بؤر فقر وبطالة، ما يعيد إنتاج بيئة خصبة للتطرف بشكل مستمر.
الاستراتيجيات الحالية:
حاولت بعض الدول الحد من هذه الموارد عبر تعزيز الرقابة على النشاطات الاقتصادية وتفكيك شبكات التهريب، لكن النتائج غالبًا ما تبقى محدودة بسبب تعقيد العمليات وتشابكها مع الاقتصاد غير الرسمي. وتعتمد بعض المبادرات على التعاون الدولي، مثل تبادل المعلومات المالية ودعم برامج التنمية لتقليل الاعتماد على النشاطات غير القانونية.
تُعتبر الأدوات الرقمية للتحليل المالي وسيلة واعدة لتتبع المعاملات المشبوهة وربطها بشبكات الإرهاب، بينما يظل دور المجتمع المدني والمنظمات المحلية مهماً في مراقبة التمويل غير المشروع وتوعية السكان بمخاطر دعم الجماعات المسلحة، سواء بشكل مباشر أو عبر تبرعات غير مقصودة.
تداعيات محتملة:
مع استمرار الفراغ الأمني في بعض المناطق، من المتوقع أن تظل هذه البؤر مصدراً رئيسيًا لدعم الجماعات المسلحة. بالمقابل، يمكن للشفافية الاقتصادية وتطبيق القوانين الصارمة على التجارة غير المشروعة، إلى جانب الاستثمار في التعليم والتنمية، أن يقلل بشكل ملموس من قدرة التنظيمات على التمويل.
دمج التحليل المالي المتقدم مع سياسات اجتماعية تهدف إلى الحد من الفقر والبطالة يمكن أن يقلل من انجذاب الشباب للجماعات المسلحة، ويخلق بيئة تحد من قدرة التنظيمات على الاستمرار.
التمويل الداخلي للتطرف يشكل أحد الأعمدة الأساسية لبقاء الجماعات المسلحة، وغالباً ما يظل خارج دائرة الضوء العام. تحليل هذه الشبكات وفهم مصادرها واستشراف سيناريوهات التعامل معها يمثل خطوة استراتيجية لا تقل أهمية عن المواجهات العسكرية المباشرة، قطع هذه الموارد يضعف الجماعات على المدى الطويل ويحد من دائرة العنف والفقر في المجتمعات المتأثرة.