الإشارات العسكرية في إسرائيل لم تعد تدريبات روتينية، إنما رسائل مباشرة بأن الشمال يدخل مرحلة جديدة من الاستعداد، صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية كشفت أن الجيش الإسرائيلي أنشأ منشأة عسكرية على أنقاض قرية الزاعورة شمال الجولان المحتل، أطلق عليها اسم "منشأة لبنان"، لتكون النموذج الموازي لـ"غزة الصغيرة" التي اعتمدت منذ عقدين في قاعدة تسيليم.
هذه الخطوة تكشف أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تنظر إلى لبنان كساحة مركزية تستوجب تحضيراً خاصاً.
المنشأة صُممت بدقة لتعكس ملامح قرى الجنوب اللبناني: مبانٍ متلاصقة من طابق واحد بباحات داخلية، وأخرى بارتفاع يصل إلى أربعة طوابق، وأزقة ضيقة تحاكي المشهد العمراني المعقد، التفاصيل استندت إلى تجارب حرب 2006 واشتباكات العام الماضي، ما يجعل المكان أقرب إلى نسخة واقعية من بيئة المواجهة المتوقعة مع حزب الله.
أولى الوحدات التي أجرت تدريبات هناك كانت لواء الكوماندوز، المعروف بمهامه الخاصة، حيث تدرب الجنود على اقتحام المنازل، مواجهة كمائن، والتعامل مع صواريخ مضادة للدروع، التركيز على هذه السيناريوهات يعكس إدراكاً إسرائيلياً أن أي مواجهة شمالية ستكون مختلفة عن المواجهات في غزة، إذ يملك الحزب ترسانة صاروخية دقيقة وشبكات أنفاق عميقة، إضافة إلى خبرة تراكمت عبر عقود من القتال.
التقرير العبري أوضح أن الجيش الإسرائيلي يسعى لتهيئة قواته لاحتمالات متعددة، ووفق مراقبون فإن السيناريو الأول يتمثل في مواجهة محدودة على الحدود لقياس القدرة على الردع، السيناريو الثاني يتصور عملية أوسع لاحتلال بلدات جنوبية بشكل مؤقت بغرض الضغط السياسي والعسكري.
أما الثالث فهو الأخطر: حرب استنزاف طويلة داخل بيئة مأهولة، حيث يجد الجنود أنفسهم في مواجهة كمائن متكررة وصواريخ دقيقة دون إمكانية للحسم السريع.
إقامة هذه المنشأة في الجولان تحمل دلالات إضافية، فهي أرض سورية محتلة تحولت إلى مختبر لمعركة محتملة مع لبنان. هذا الربط يعكس نظرة إسرائيل إلى أن حدودها الشمالية مترابطة، وأن السيطرة على الجولان توفر لها منصة لتجريب سيناريوهات حرب أوسع.
لكن القراءة اللبنانية مختلفة تماماً، وفق مراقبون فإن حزب الله ينظر إلى هذه التحضيرات باعتبارها مؤشراً على ضعف الثقة بقدرة الجيش الإسرائيلي على حسم مواجهة مباشرة. فالمناورات قد تجهز الجنود نفسياً، لكنها لا تعالج معضلة الصواريخ الدقيقة ولا الروح القتالية في بيئة معقدة اجتماعياً وجغرافياً.
الصورة الختامية تشير إلى "منشأة لبنان" لا تعكس قوة إسرائيلية بقدر ما تكشف قلقاً متزايداً من جبهة الشمال، فبينما تراها تل أبيب خطوة ضرورية للاستعداد، يقرأها لبنان وحلفاؤه كإشارة ضعف تثبت أن الجيش الإسرائيلي يخشى مواجهة واقع ميداني أعقد مما يتصوره أي نموذج تدريبي. وهكذا تبقى المعركة المقبلة، إن اندلعت، مرهونة بتوازن ردع يفرضه حزب الله أكثر مما تحدده محاكاة تُقام في الجولان.