ترامب يعيد تشكيل "مائدة التكنولوجيا": دلالات استبعاد ماسك ورسائل العشاء الرئاسي

2025.09.04 - 09:42
Facebook Share
طباعة

استضافة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعمالقة التكنولوجيا في البيت الأبيض مساء اليوم لا تبدو مجرد مناسبة بروتوكولية، بل تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية تعكس رؤيته لإعادة صياغة العلاقة بين السلطة التنفيذية وقطاع التكنولوجيا، الذي يشكّل عصب النفوذ العالمي في المرحلة الراهنة.

غياب ماسك.. مؤشر قطيعة أم ورقة ضغط؟

أكثر ما يلفت الانتباه هو استبعاد إيلون ماسك من قائمة المدعوين. فالرجل الذي كان حليفًا مقربًا لترامب وتولى بإيعاز منه قيادة وكالة الكفاءة الحكومية، تحوّل خلال الأشهر الماضية إلى خصم علني بعد خلافات حول ملفات الإنفاق الحكومي وتنظيم الفضاء الإلكتروني.
إقصاء ماسك لا يُقرأ فقط كعقوبة سياسية، بل قد يكون رسالة مباشرة لشركات التكنولوجيا بأن الولاء لسياسات البيت الأبيض شرطٌ للاحتفاظ بمقعد على "المائدة الرئاسية".

حديقة الورود تتحول إلى منصة سياسية

اختيار ترامب إقامة العشاء في "حديقة الورود" التي أعاد تصميمها على نمط ناديه الخاص "مارالاغو" في فلوريدا ليس تفصيلاً عابرًا. فالمكان بات رمزًا لنهجه في دمج السياسة بالاستعراض، وتصدير صورة عن البيت الأبيض كساحة اجتماعية للنخب، وليست فقط مؤسسة حكومية.

الذكاء الاصطناعي.. من التعليم إلى السياسة

توقيت اللقاء، بعد ساعات من اجتماع فريق العمل الجديد لتعليم الذكاء الاصطناعي برئاسة ميلانيا ترامب، يؤكد أن العشاء يتجاوز المجاملة. فالإدارة تسعى لربط أكبر الشركات بمشروع استراتيجي يهدف إلى إدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم، ما يمنح البيت الأبيض نفوذًا مباشرًا على مستقبل هذا القطاع.

بين السيطرة والرسائل

من الواضح أن ترامب يريد بعث رسالتين: الأولى للنخب الاقتصادية مفادها أن البيت الأبيض هو مركز ثقل لا يمكن تجاوزه، والثانية لمعارضيه، وعلى رأسهم ماسك، بأن الانشقاق عن الخط الرئاسي يعني خسارة النفوذ داخل الدوائر السياسية.

 


العلاقة بين دونالد ترامب وإيلون ماسك مرت بتحولات جذرية خلال السنوات الأخيرة. فمع بداية ولاية ترامب السابقة، كان ماسك أحد أبرز الأسماء الداعمة له، وانضم إلى مجالس استشارية بالبيت الأبيض تتعلق بالاقتصاد والطاقة. كما منحه ترامب لاحقًا رئاسة "وكالة الكفاءة الحكومية" التي أُنشئت لتقليص النفقات، ما عكس ثقة متبادلة في تلك المرحلة.

غير أن الخلافات برزت تدريجيًا مع تزايد نفوذ ماسك في قطاعات الفضاء والذكاء الاصطناعي وشبكات التواصل، حيث اعتبر ترامب أن الملياردير يسعى لبناء قوة سياسية موازية، بينما اتهم ماسك الإدارة بالتقصير في ضبط الإنفاق وإدارة الملفات التكنولوجية.
هذه التوترات بلغت ذروتها مطلع العام الجاري مع تبادل انتقادات علنية، لينتهي المشهد باستبعاده من عشاء البيت الأبيض، في مؤشر على طي صفحة التحالف السابق، وربما بداية مواجهة مفتوحة بين الطرفين.


الصدام بين ترامب وماسك لا يمكن النظر إليه كخلاف شخصي بقدر ما هو انعكاس لصراع أوسع حول من يملك زمام المبادرة في قطاع التكنولوجيا: الدولة أم الشركات العملاقة. فبينما يسعى البيت الأبيض لفرض هيمنته على مسارات الذكاء الاصطناعي والتعليم والتكنولوجيا الحيوية، تواصل الشركات الكبرى تعزيز نفوذها العابر للحدود، بما يجعلها أحيانًا أقوى من الحكومات نفسها.

إقصاء ماسك من "مائدة التكنولوجيا" يبعث برسالة مزدوجة: البيت الأبيض مستعد لاستخدام أدوات النفوذ السياسي لاستبعاد الأصوات غير المنسجمة مع توجهاته، لكنه في الوقت ذاته يعتمد على الشراكة مع بقية الشركات لبناء مشروعه الاستراتيجي في الذكاء الاصطناعي.
وبالتالي، فإن مستقبل العلاقة بين السلطة السياسية وقطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة سيتحدد على قاعدة المساومة المستمرة: من يمنح الشرعية للآخر، ومن يفرض شروط اللعبة في معادلة القوة العالمية القادمة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 3