تشهد الساحة اليمنية حراكًا دبلوماسياً متصاعداً تقوده الولايات المتحدة وبريطانيا بمشاركة السعودية والإمارات، يركّز على ربط الملف الاقتصادي بمسار الحل السياسي، تكشف تقارير صحفية وأخرى أممية عن مقترحات لتشكيل سلطة جديدة، مقابل اتفاق اقتصادي يسمح باستئناف تصدير النفط والغاز وتخفيف القيود على دخول السلع والمساعدات إلى مناطق متعددة، مع معالجة جزئية لملف الأسرى.
تحركات دبلوماسية مكثفة:
خلال الأسابيع الأخيرة، التقى مسؤولون يمنيون مع دبلوماسيين أميركيين وبريطانيين في عدة عواصم. التقى رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، في الرياض السفيرة البريطانية، حيث ناقشا برنامج الإصلاح الاقتصادي والمخاطر الأمنية الناتجة عن دعم إيران للحوثيين، مطالبًا بتوسيع العقوبات الدولية. كما طرح سالم بن بريك، رئيس الوزراء، في لقاءات عمّان مع مسؤولين أميركيين ملف العقوبات وقوائم أسماء مرشحة للإدراج، مؤكداً أن حكومته تخوض «معركة مزدوجة» تواجه فيها التحديات الاقتصادية ومشروع الحوثيين.
الاقتصاد كأداة ضغط:
أصبحت ورقة الاقتصاد المحرك الرئيسي للتحركات الدولية، إذ يرتبط استئناف صادرات النفط والغاز بآليات شفافة لتوزيع الإيرادات على الرواتب والخدمات، إلى جانب العمل على استقرار العملة اليمنية من خلال تنسيق السياسات النقدية بين عدن وصنعاء، وتسهيل حركة الطيران عبر فتح وجهات جديدة لمطار صنعاء وتخفيف القيود على دخول الوقود، كما يشكل ملف الأسرى جزءاً من الحزمة الإنسانية التي تسعى الأطراف الدولية إلى إقرارها.
العقوبات المالية: سلاح واشنطن:
صعدت وزارة الخزانة الأميركية استهداف شبكات التهريب والشركات المالية المتهمة بتمويل الحوثيين، حيث شملت القوائم كيانات مصرفية وسفن مرتبطة بتهريب المشتقات النفطية، مستهدفة الوساطات المحلية في مناطق الحكومة المتهمة بتسهيل اقتصاد الحرب، ما يعكس استراتيجية الضغط عبر الاقتصاد قبل السياسة.
السلطة الجديدة: مقترح قيد النقاش:
تضمنت المداولات الدبلوماسية مقترحات لتدوير واجهة الحكم تشمل حل مجلس القيادة الرئاسي أو تقليص صلاحياته، وتشكيل سلطة تنفيذية أصغر وأكثر تماسكًا تضم رئيسًا ونائبين، مع منح المجلس الحالي مهلة قصيرة لتوحيد الموقف الداخلي قبل تنفيذ الاتفاق الاقتصادي، في حين تواجه هذه الأفكار عقبات بسبب مواقف القوى الجنوبية والشمالية المتعلقة بالقضايا الدستورية وشكل الدولة.
المستفيدون والخاسرون:
يشير مراقبون إلى أن كل طرف في المشهد اليمني يحاول استثمار أدواته لضمان موقعه في أي تسوية محتملة، الحكومة ترى في استئناف صادرات النفط والغاز وتحقيق مكاسب اقتصادية ملموسة فرصة لتعزيز شرعيتها أمام الشارع وإعادة استقرار العملة، في حين يسعى الحوثيون لضمان حصتهم من الإيرادات والخدمات دون التنازل عن السيطرة المالية والإدارية.
أما الدول الفاعلة دولياً فتسعى إلى خفض المخاطر الإقليمية وحماية الملاحة وضمان استقرار أسعار الطاقة، فيما تبقى القوى المحلية الأكثر هشاشة إذ تتأثر مباشرة بتقلبات الأسعار والعقوبات.
المؤشرات والسيناريوهات:
تبين مسارات الأحداث إلى مؤشرات يمكن من خلالها تقييم نجاح أو فشل أي اتفاق اقتصادي وسياسي، منها إعلان آلية شفافة لإدارة عائدات النفط والغاز وتوزيعها على الرواتب والخدمات، ونشر قوائم عقوبات جديدة تطاول وسطاء محليين متهمين بدعم الحوثيين، وزيادة رحلات الطيران من وإلى مطار صنعاء وتسهيل حركة البضائع الإنسانية، وتقليص الفجوة بين أسعار الصرف في عدن وصنعاء، واعتماد لغة سياسية عملية تركز على النتائج الاقتصادية اليومية بدل التصريحات الحادة حول الحسم الشامل.
أما السيناريوهات المحتملة خلال الأشهر المقبلة فتشمل اتفاقًا اقتصاديًا تدريجيًا يتم بموجبه فتح قنوات الإيرادات تحت إشراف دولي ودفع الرواتب المدنية وتسهيل حركة البضائع والطيران مع مراقبة مستمرة لتقليص المخاطر المالية، أو تصعيدًا عقابيًا يتضمن موجة عقوبات جديدة على شبكات التهريب والكيانات الداعمة للحوثيين ما قد يؤدي إلى ضغوط اقتصادية إضافية على المدنيين وتصعيد محدود في مناطق النزاع، أو تدوير واجهة الحكم بإعادة تشكيل مجلس القيادة أو السلطة التنفيذية بصيغة أصغر وأكثر تماسكًا لتسهيل تمرير الحزمة الاقتصادية مع تأجيل الملفات الكبرى كالجنوب والقضايا الدستورية إلى مرحلة لاحقة.
يدخل الملف اليمني مرحلة «الاقتصاد قبل السياسة»، حيث تدفع القوى الدولية باتجاه صفقة تعيد تدوير الموارد وتفرض رقابة على الإيرادات، فيما تبقى القضايا الكبرى مؤجلة، نجاح المسار يتوقف على قدرة الحكومة في إنتاج مكاسب ملموسة للمواطنين تشمل رواتب منتظمة، استقرار سعر الصرف، تدفق السلع، وحرية التنقل، وإلا ستبقى فكرة «السلطة الجديدة» مجرد عنوان دبلوماسي بلا أثر فعلي.