متى تنجح المفاوضات في تهدئة طرابلس؟

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.09.03 - 06:36
Facebook Share
طباعة

تشهد العاصمة الليبية طرابلس منذ نحو أسبوع تصعيداً أمنياً ملحوظاً، يعكس صعوبة التوفيق بين سلطة الحكومة المركزية وجهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي، على الرغم من تراجع وصول الأرتال العسكرية من خارج المدينة خلال الأيام الثلاثة الماضية، لا تزال حركة المركبات العسكرية داخل الأحياء الجنوبية الشرقية نشطة خلال الليل، ما يعكس هشاشة السيطرة على الأرض واستمرار مخاطر الاشتباكات.

أسباب هذا التوتر متعددة ومعقدة. أولاً، النزاع على السيطرة على المؤسسات الحيوية يشكل العامل الأهم، حيث يسيطر جهاز الردع على مطار معيتيقة، ميناء طرابلس، وسجن معيتيقة، وهي مواقع استراتيجية تمكنه من الاحتفاظ بنفوذ كبير في العاصمة.
رفض الجهاز تسليم هذه المواقع بالكامل يعكس تمسكه بالسلطة والقدرة العسكرية، في حين تسعى الحكومة لإخضاع جميع التشكيلات المسلحة للسلطة المركزية ضمن مشروعها الذي أُعلن منتصف مايو/أيار الماضي تحت شعار "استعادة سلطات الدولة". هذا الصراع على النفوذ يجعل أي تسوية محتملة معقدة ويزيد احتمالات الاحتكاكات.

ثانياً، ضعف التنسيق بين التشكيلات المسلحة في العاصمة يزيد من مخاطر التصعيد، إذ تتداخل نقاط انتشار قوات الحكومة وقوة الردع في أحياء مثل زاوية الدهماني، باب بن غشير، عين زارة، والسراج، ما يخلق نقاط تماس عالية الخطورة.
إضافة إلى ذلك، يشير الخبراء إلى أن جهاز الردع، الذي يشرف على تنفيذ الأحكام القضائية والإجراءات الأمنية في السجون، قد ارتكب انتهاكات واسعة بحق السجناء، وفق تقارير الأمم المتحدة، كما صدر بحق قائد الشرطة القضائية التابعة للجهاز مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية في يناير/كانون الثاني الماضي، ما يضيف بعداً قانونياً وسياسياً للصراع.

ثالثاً، دور الإعلام غير الرسمي ومنصات التواصل الاجتماعي ساهم في تصعيد الاحتقان، من خلال نشر أخبار ومقاطع فيديو قديمة أو مضللة عن تحركات عسكرية وهجمات إرهابية، كما حدث مع حادث احتراق سيارة أمام مقر اللواء 444، الذي لم يسفر عن أي أضرار مادية أو إصابات، لكنه زاد من مخاوف السكان وعمّق انعدام الثقة بين الأطراف المتصارعة.

رابعاً، السياق التاريخي للمواجهات السابقة يعزز هشاشة الوضع، إذ أن المواجهات المسلحة بعد تمكن قوات الحكومة من الإطاحة بجهاز دعم الاستقرار في أبوسليم لم تُحسم لصالح الحكومة، وأظهرت قوة الردع كلاعب أساسي لا يمكن تجاوزه بسهولة.
هذا التاريخ يجعل أي تحرك عسكري مباشر محفوفاً بالمخاطر على المدنيين، ويجعل التسوية السياسية خياراً أكثر أماناً وضرورة.

في خضم هذا الوضع، تشهد طرابلس تحشيدات عسكرية مكثفة، وسط مخاوف من أن تتحول أحياء مأهولة بالسكان إلى ساحات مواجهة، كما يعكس رفض سكان مناطق تاجوراء وسوق الجمعة لأي تمركز للقوات المسلحة بينهم، خشية أن يكونوا متضررين مباشرين في حال اندلاع مواجهة جديدة هذا الاحتقان الشعبي يزيد الضغط على البعثة الأممية والمجتمع الدولي لإيجاد حلول عاجلة تحول دون انزلاق المدينة نحو مواجهة مسلحة واسعة.

رغم جهود المفاوضات، يبقى التعثر واضحاً. فقد وافق جهاز الردع مبدئياً على تسليم سجن معيتيقة لمكتب النائب العام، لكن المباحثات لم تحرز تقدماً فيما يتعلق بتسليم المطار والميناء، إذ يصر الجهاز على تطبيق أي اتفاق على جميع التشكيلات المسلحة لضمان حفظ نفوذه.
بالمقابل، تسعى الحكومة لإخضاع هذه المؤسسات الاستراتيجية للسلطة المركزية، ما يجعل أي اتفاق صعب التنفيذ دون توافق شامل على الأرض.

يرى خبراء الأمن الليبي أن جذور الأزمة تتوزع بين التنافس على المؤسسات الاستراتيجية، ضعف التنسيق بين التشكيلات المسلحة، الدور التحريضي للإعلام غير الرسمي، وسجل المواجهات السابقة الذي يغذي الانقسامات ويؤكد الخبراء أن أي نجاح للمفاوضات في تهدئة طرابلس مرهون بالتوصل إلى صيغة تسوية سياسية متكاملة، تشمل التزام جميع الأطراف بالتهدئة، إعادة هيكلة التشكيلات المسلحة، وضمان إشراف دولي لمراقبة تنفيذ الاتفاقات، إلى جانب تبني الحكومة لآليات واضحة لإدارة المؤسسات الحيوية بطريقة شفافة وآمنة.

في المحصلة، أن استمرار التوتر في طرابلس لا يعكس فقط صراعاً عسكرياً، بل أزمة مؤسسية وسياسية عميقة تهدد استقرار العاصمة، وتضع المجتمع المدني في مواجهة مخاطر مباشرة، نجاح المفاوضات لن يتحقق إلا عبر اتفاقات متكاملة على الأرض، إشراف أممي فعال، وضمان حقوق المدنيين، وهي المعايير التي يراها الخبراء السبيل الوحيد للحيلولة دون انزلاق العاصمة نحو مواجهة مسلحة واسعة تشمل مناطق أخرى من ليبيا. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 7