الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير مرابض لـ"حزب الله" في جنوب لبنان: مناورة تكتيكية أم تمهيد لجولة أوسع؟

2025.09.03 - 04:48
Facebook Share
طباعة

منطقة جبل روس، على تخوم المثلث الحدودي بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة، عادت مجددًا إلى واجهة الأحداث. في الساعات الأخيرة، خرج الجيش الإسرائيلي ببيان مقتضب أعلن فيه تنفيذ "عملية دقيقة" استهدفت مرابض قال إنها تابعة لحزب الله، استخدمت في فترات سابقة لإطلاق النار أو نصب تجهيزات عسكرية.

البيان أشار إلى أن قوات لواء الجبال 810، التابعة للفرقة 210، تولت تنفيذ المهمة خلال الليل، بعد أشهر من المتابعة والرصد الميداني عبر وحدات الاستطلاع. إسرائيل وصفت الضربة بأنها وقائية، في إطار "إزالة أي تهديد" محتمل على حدودها الشمالية.

لكن خلف هذا الإعلان العسكري، تبرز قراءة أعمق للمشهد. فالتوقيت ليس عابرًا. الضربة تأتي في وقت يتصاعد فيه التوتر على الجبهة مع لبنان، مع استمرار التراشق الناري المحدود بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، بالتوازي مع الحرب المفتوحة في قطاع غزة. إسرائيل تدرك أن إبقاء هذه الجبهة تحت السيطرة ضرورة استراتيجية، لكنها في الوقت نفسه ترسل إشارات بأن يدها ليست مكبلة.

جبل روس بحد ذاته ليس مجرد موقع جغرافي؛ هو نقطة إشراف حساسة على الحدود، وموقع يرمز إلى توازن القوة في المنطقة. أي تحرك فيه يُقرأ كرسالة، سواء من إسرائيل التي تحاول تأكيد المبادرة الميدانية، أو من حزب الله الذي يراقب بصمت ويفكر في خيار الرد أو التجاهل.

هذا النوع من العمليات عادة ما يبقى ضمن قواعد الاشتباك الضمنية بين الطرفين: ضربات محسوبة لا تصل إلى حد إشعال حرب، لكنها في الوقت ذاته تمنع الطرف الآخر من فرض واقع جديد. إسرائيل هنا تراهن على إظهار الجاهزية ومنع الحزب من التمركز، فيما يوازن حزب الله بين الرد العسكري المحدود أو الاكتفاء بتسجيل العملية في بنك حساباته الطويلة مع تل أبيب.

الملفت أن الضربة جاءت بعد تأكيدات إسرائيلية متكررة على مراقبة "تحركات مشبوهة" في الجنوب اللبناني خلال الأشهر الماضية. وهو ما قد يعني أن العملية لم تكن مجرد رسالة سياسية، بل خطوة ميدانية لمنع إعادة تفعيل مرابض أو نقاط يستخدمها الحزب في حال توسعت دائرة الصراع.

في الخلفية، يبقى المشهد الأكبر: منذ حرب تموز 2006، عاش الجنوب اللبناني على إيقاع التوتر المستمر، بين هدوء هش وانفجارات متقطعة. القرار الدولي 1701 رسم حدودًا على الورق، لكن الواقع بقي محكومًا بمعادلة الردع المتبادل. كل عملية من هذا النوع تذكير بأن الجبهة الشمالية ليست بعيدة عن نار غزة، وأن أي خطأ في الحسابات قد يحولها من ساحة مناوشات إلى ساحة مواجهة واسعة.

 

العملية الإسرائيلية في جبل روس لا يمكن فصلها عن المشهد الإقليمي الأوسع. فمنذ اندلاع الحرب في غزة، تتحرك الأطراف الفاعلة في الإقليم وفق حسابات دقيقة:

إسرائيل تسعى لتفكيك أي جبهة موازية يمكن أن تستنزف قواتها وتحد من قدرتها على مواصلة حربها في القطاع. لذلك تأتي عملياتها في الجنوب اللبناني كإجراءات استباقية، لكنها أيضًا تحمل رسائل ردع لإيران التي تُعتبر الداعم الرئيسي لحزب الله.

حزب الله بدوره يمارس سياسة "الضغط دون الانفجار"، حيث يوازن بين دعم غزة بعمليات نوعية وبين تجنب مواجهة شاملة قد تستنزف قدراته الاستراتيجية، في وقت يترك فيه ملف الحرب الكبرى قرارًا مرتبطًا بالظرف الإقليمي والدولي.

إيران تراقب الساحة الشمالية باعتبارها ورقة ضغط بيدها في أي مفاوضات أو صدام محتمل مع الولايات المتحدة، خاصة مع استمرار العقوبات وتوتر الملف النووي.

أما سوريا، التي تقع عند تقاطع هذه الجغرافيا، فتجد نفسها ساحة ثانوية في لعبة الرسائل، إذ أن أي تصعيد في جبل روس يمتد تأثيره إلى الحدود السورية حيث ينشط الحضور العسكري الإيراني.


في المحصلة، لا تبدو ضربة جبل روس مجرد إجراء ميداني محدود، بل حلقة في سلسلة من التوازنات المعقدة التي تحكم المنطقة. هي رسالة تقول إن "الجبهة الشمالية" ليست بعيدة عن أتون الحرب في غزة، وأن أي اختلال في قواعد الاشتباك قد يدفع المنطقة بأكملها إلى مربع الانفجار الشامل.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 5