تشهد الساحة الإسرائيلية تراكماً متسارعاً في ملفات حساسة، من تصعيد سياسي يقوده اليمين المتطرف في الضفة الغربية، إلى توسع عسكري ـ استخباراتي يشمل إطلاق أقمار تجسس ومواصلة الغموض حول البرنامج النووي، وصولاً إلى مواجهة إقليمية متصاعدة مع الحوثيين في اليمن. هذه التطورات، رغم تباين ساحاتها، تكشف عن مسار إسرائيلي واحد: تعزيز الهيمنة في الداخل ومواجهة التحديات على الأطراف.
دعوة سموتريتش وبسط السيادة في الضفة
طالب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعقد اجتماع حكومي لإقرار بسط السيادة على جميع "المناطق المفتوحة" في الضفة الغربية. سموتريتش ذهب أبعد من ذلك، معتبراً أن أي خطوة بهذا الاتجاه ستسجل لنتنياهو "كقائد تاريخي"، في إشارة إلى محاولة فرض الضم عملياً تحت غطاء قانوني.
هذه الدعوة تتزامن مع استمرار هدم المنازل الفلسطينية وتوسيع الاستيطان، ما يؤشر إلى تكامل الأجندة السياسية والعسكرية في تحويل الضفة إلى مجال سيطرة إسرائيلية مطلقة.
رد فلسطيني وتحذير من "التهجير الممنهج"
من جهتها، اعتبرت حركة حماس تصريحات سموتريتش دليلاً إضافياً على سياسة الحكومة الإسرائيلية القائمة على "الإبادة في غزة والضم في الضفة". القيادي عبد الحكيم حنيني شدد على أن هذه المخططات لن توفر لإسرائيل الأمن الموعود، بل ستفتح الباب أمام جولات جديدة من المواجهة. ودعا المجتمع الدولي إلى كبح التوجهات الإسرائيلية التي تضرب عرض الحائط بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
قمر تجسس جديد ورسائل إلى إيران
على الصعيد الأمني – الاستخباراتي، أعلنت تل أبيب إطلاق القمر الصناعي "أوفيك 19" بقدرات مراقبة متقدمة، وُصف من جانب وزير الدفاع يسرائيل كاتس بأنه "رسالة إلى الأعداء بأنهم تحت المراقبة المستمرة". الخطوة تأتي بعد حرب استمرت 12 يوماً ضد إيران، استهدفت مواقع نووية وعسكرية، ما يجعل من القمر أداة مباشرة لتعزيز التفوق في معركة الاستخبارات الإقليمية.
صور أقمار صناعية تكشف منشأة نووية جديدة
بالتوازي، كشفت وكالة "أسوشييتد برس" عن صور أقمار صناعية أظهرت أعمال بناء متسارعة قرب مفاعل ديمونا النووي في النقب، ما أثار تكهنات حول تشييد مفاعل جديد أو منشأة لتجميع الأسلحة النووية. ورغم غياب الشفافية الرسمية، يرى خبراء أن المشروع يهدف إلى الحفاظ على قدرة إسرائيل في إنتاج البلوتونيوم وتعزيز ترسانتها النووية، ما يرسخ سياسة "الغموض النووي" التي تنتهجها منذ عقود.
صاروخ حوثي يضرب في عمق المواجهة
في جبهة أخرى، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض صاروخ أطلق من اليمن بعد أن دوّت صافرات الإنذار في عدة مناطق. جماعة الحوثي أكدت أنها أطلقت صاروخين باليستيين نحو تل أبيب "رداً أولياً على اغتيال رئيس حكومة الحوثيين أحمد غالب الرهوي". هذه الحادثة تمثل المرة الأولى التي تُفعل فيها صفارات الإنذار داخل إسرائيل جراء هجوم من اليمن، ما يعكس انتقال المواجهة إلى مستوى إقليمي أوسع متداخل مع حرب غزة.
تُظهر الأحداث الأخيرة ملامح سياسة إسرائيلية مزدوجة: فرض الأمر الواقع في الضفة الغربية، وتوسيع أدوات الردع والمراقبة عبر مشاريع الفضاء والقدرات النووية، بالتوازي مع مواجهة مفتوحة مع أطراف إقليمية كالحوثيين. هذه التطورات تؤكد أن الأزمة لم تعد مقتصرة على جبهة غزة أو ملف الاستيطان، بل تتجه نحو صراع متعدد المستويات يمتد من الضفة إلى اليمن مروراً بإيران، ما يضع المنطقة أمام مرحلة أكثر هشاشة وانفجاراً.