أصدرت السلطات القضائية الفرنسية مذكرات توقيف بحق الرئيس السوري بشار الأسد وستة من كبار المسؤولين في نظامه، على خلفية الهجوم الذي استهدف مدينة حمص عام 2012 وأسفر عن مقتل الصحفية الأمريكية ماري كولفين والمصور الفرنسي ريمي أوشليك. وتعد هذه الخطوة نادرة، إذ تمثل محاولة لمحاسبة قادة نظام على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خارج الحدود السورية، في إطار السعي الدولي لمنع الإفلات من العقاب.
في 22 فبراير 2012، تعرض مركز صحفي غير رسمي في حمص الشرقية، الواقعة تحت حصار النظام، لقصف مباشر أسفر عن مقتل كولفين وأوشليك، وإصابة المصور البريطاني بول كونروي، الصحفية الفرنسية إديث بوفية، والمترجم السوري وائل عمر. ويشير التحقيق الفرنسي إلى أن القصف كان متعمدًا لاستهداف الصحفيين الأجانب ومنع تغطيتهم للانتهاكات المستمرة بحق المدنيين في المدينة.
تضمنت مذكرات التوقيف، إلى جانب بشار الأسد، شقيقه ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة المدرعة، ورئيس جهاز الاستخبارات علي مملوك، ورئيس هيئة الأركان العامة علي أيوب، وعددًا من كبار الضباط السابقين. ويواجه هؤلاء المسؤولون اتهامات بالتخطيط والمشاركة في عمليات قصف متعمد للصحفيين، وهي اتهامات تصنفها السلطات الفرنسية كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وتشير منظمات حقوقية دولية، مثل "الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان"، إلى أن الصحفيين كانوا يسجلون انتهاكات النظام بحق المدنيين في مناطق محاصرة، وأن الهجوم كان جزءًا من استراتيجية ممنهجة لاستهداف الإعلام الدولي وتقويض قدرته على نقل المعلومات بحرية. كما أكد محامون فرنسيون وسوريون أن هذه الملاحقة القضائية تمثل خطوة رمزية وموضوعية لإظهار أن القادة السياسيين والعسكريين يمكن مساءلتهم دوليًا على خلفية جرائم ضد الإنسانية.
ومنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تبنى نظام بشار الأسد سياسة قمع صارمة ضد الإعلام المستقل والناشطين الصحفيين. واستهدفت قوات النظام الصحفيين الأجانب والمحليين على حد سواء، بهدف السيطرة على الرواية الإعلامية ومنع وصول صور الانتهاكات إلى الجمهور الدولي. وقد وثّقت منظمات حقوقية عدة مئات الحالات التي تعرض فيها الصحفيون للاختطاف أو القتل أو الاعتقال التعسفي.
كما لعبت القيادات العسكرية دورًا مباشرًا في تنفيذ هذه الاستراتيجية، خاصة في المدن المحاصرة مثل حمص وحلب ودرعا، حيث اعتمد النظام على قصف المناطق المأهولة بالمدنيين والمراكز الإعلامية لترويع السكان وكسر مقاومة الصحفيين.
تستند الملاحقة الفرنسية إلى القوانين المتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك استهداف الصحفيين في مناطق النزاع. وتعد فرنسا واحدة من الدول التي تتبنى مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح بملاحقة المسؤولين الأجانب على خلفية جرائم جسيمة حتى لو وقعت خارج أراضيها، وهو ما يفسر صدور المذكرات بحق بشار الأسد وشركائه.
يأتي إصدار هذه المذكرات في وقت فر فيه بشار الأسد مع عائلته إلى روسيا بعد انهيار سلطته في بعض المناطق السورية نهاية 2024، ما يجعل تنفيذ الملاحقة القضائية تحديًا دبلوماسيًا وقانونيًا كبيرًا. ومع ذلك، يرى محللون أن الخطوة الفرنسية تمثل رسالة قوية لكل القادة الذين يستهدفون الصحفيين أو المدنيين، وتسلط الضوء على الجهود الدولية لمكافحة الإفلات من العقاب.
وتبرز القضية أيضًا حجم المخاطر التي يواجهها الصحفيون في النزاعات المسلحة، والدور الحاسم للعدالة الدولية في حماية حرية الإعلام. كما تعكس التطورات الأخيرة في فرنسا أهمية المحاكم الوطنية في محاكمة الجرائم الدولية، خصوصًا حين تعجز المؤسسات الدولية عن اتخاذ خطوات فعالة.