صنعاء تتحول إلى ورقة ضغط سياسية… احتجاز موظفي الأمم المتحدة يرفع التوترات

2025.09.03 - 09:12
Facebook Share
طباعة

أعلنت الأمم المتحدة، عن احتجاز الحوثيين 19 موظفًا من موظفيها خلال مداهمات استهدفت مكاتب المنظمة في صنعاء، في تصعيد جديد يعكس تعقيد المشهد الأمني والسياسي في البلاد. وأوضح المتحدث باسم المنظمة، ستيفان دوجاريك، أن 18 من المحتجزين يمنيون، بينما أحدهم موظف دولي، مطالبًا بالإفراج الفوري عن جميع المختطفين، محذرًا من أن هذه الإجراءات تهدد قدرة الأمم المتحدة على إيصال المساعدات الإنسانية للشعب اليمني، الذي يعيش في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم العربي.

وجاءت المداهمات بعد أيام من الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قيادات الحوثيين، وأسفرت عن مقتل رئيس وزراء الحركة أحمد الرحوي وعدد من وزرائه. هذه العملية، وفق مراقبين، لم تكن مجرد حدث عسكري عابر، بل شكلت مؤشرًا على تصاعد التوترات الإقليمية والدولية حول اليمن، ما دفع الحوثيين إلى اتخاذ خطوات تصعيدية على الأرض، بينها استهداف موظفي الأمم المتحدة وعرقلة عملهم.

وطالت المداهمات مكاتب وكالات الغذاء والصحة والطفولة، وهو ما يعكس استهدافًا ممنهجًا لبنية العمل الإغاثي، ويضع المنظمة الدولية أمام تحديات غير مسبوقة في إيصال المساعدات الضرورية لملايين اليمنيين الذين يعانون من الجوع، الفقر، ونقص الخدمات الطبية الأساسية.


ليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها الحوثيون إلى احتجاز موظفي الأمم المتحدة، فقد سبق لهم احتجاز 23 موظفًا، وما زال بعضهم رهن الاعتقال منذ عام 2021. هذا النمط المتكرر، كما يشير دوجاريك، يعكس استراتيجية متعمدة لخلق ضغط سياسي ودبلوماسي، وتقويض قدرة المنظمة الدولية على تنفيذ برامجها الإنسانية الحيوية.

وأثارت هذه الحوادث قلقًا دوليًا واسعًا، حيث أكدت الدول الأعضاء في مجلس الأمن أن مثل هذه الإجراءات لا تنتهك فقط القوانين الدولية والمواثيق الإنسانية، بل تعرض حياة المدنيين للخطر المباشر، خصوصًا في مناطق تشهد نزاعات مسلحة مستمرة. كما شدد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بعد اجتماعاته في العاصمة العمانية مسقط مع كبار مفاوضي الحوثيين وممثلين عن المجتمع الدبلوماسي، على ضرورة احترام عمل المنظمة الدولية، مجددًا إدانة الاحتجازات والاقتحامات القسرية.


يشير خبراء السياسة اليمنية إلى أن الإجراءات الحوثية ليست مجرد انتهاك للقوانين الدولية، بل تمثل جزءًا من استراتيجية أوسع للضغط على المجتمع الدولي. فالاحتجازات تأتي في سياق تصاعد الغارات الجوية الإسرائيلية، وتصعيد العقوبات الدولية، ومحاولات الضغط على الحوثيين لتقديم تنازلات سياسية.

ويعتبر المحلل اليمني عبد الله المقريف أن هذه الإجراءات تعكس محاولة الحوثيين خلق ورقة ضغط تفاوضية، خصوصًا في ظل ضعف الوساطات الدولية، وتراجع قدرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا على فرض سلطتها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ويشير خبراء إلى أن هذه الاستراتيجية تتضمن بشكل متكرر استهداف موظفي الإغاثة، مما يضع المجتمع الدولي أمام معضلة أخلاقية وقانونية معقدة، بين حماية المدنيين وضمان استمرارية العمل الإغاثي.


الاحتجاز الأخير لموظفي الأمم المتحدة يمثل تهديدًا مباشرًا للسكان المدنيين، الذين يعتمدون على المساعدات الدولية في الغذاء والدواء والخدمات الأساسية. ويشير تقرير أممي حديث إلى أن أكثر من 80% من السكان بحاجة ماسة إلى مساعدات غذائية وطبية، وأن أي تعطيل للعمل الإغاثي قد يؤدي إلى كارثة إنسانية واسعة، خصوصًا بين الأطفال والنساء وكبار السن.

وتُظهر بيانات المنظمات الإنسانية أن الأزمات الغذائية والصحية في اليمن ارتفعت بشكل حاد منذ بداية العام، حيث يواجه ملايين المدنيين نقصًا حادًا في المياه النظيفة، والأدوية الأساسية، والمواد الغذائية. ووفق مراقبين، فإن تعطيل عمل المنظمات الدولية يزيد من معدلات الأمراض وسوء التغذية، ويزيد من النزوح الداخلي، ما يفاقم أزمات الأمن والاستقرار الاجتماعي.


تلعب الضربات الجوية الإسرائيلية على قيادات الحوثيين دورًا مركزيًا في تفاقم الأزمة الحالية. فقتل رئيس وزراء الحركة أحمد الرحوي وعدد من وزرائه أحدث فراغًا سياسيًا داخليًا، دفع الحوثيين إلى تعزيز قبضتهم على العاصمة صنعاء واتخاذ خطوات تصعيدية، بينها الاحتجازات والتهديد المباشر للمؤسسات الدولية.

ويشير خبراء في الشؤون الإقليمية إلى أن الحوثيين يهدفون من خلال هذه الخطوات إلى إرسال رسائل واضحة إلى المجتمع الدولي: أن أي تدخل عسكري أو سياسي من الخارج قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية داخليًا، وأنهم قادرون على التحكم في مفاصل الدولة والمجتمع المدني في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.


تواجه الأمم المتحدة ضغوطًا دولية واسعة لحماية موظفيها وضمان حرية عملها، بينما يطالب المجتمع الدولي الحوثيين بالإفراج الفوري عن المختطفين. وتؤكد الدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، على ضرورة احترام القوانين الدولية الإنسانية، محذرة من أن استمرار الاحتجازات قد يؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية للحوثيين، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.

كما تعمل البعثات الدبلوماسية في مسقط على إيجاد حلول عاجلة للتفاوض مع الحوثيين، لضمان الإفراج عن الموظفين وإعادة استقرار عمل المنظمة في اليمن. ومع ذلك، فإن التحديات الأمنية والسياسية المعقدة تجعل من هذه المهمة صعبة للغاية، خصوصًا في ظل استمرار النزاع العسكري وتعدد الأطراف الفاعلة داخليًا وإقليميًا.


يبقى اليمن على حافة الانهيار الشامل، حيث تتداخل أزمات الأمن والسياسة والاقتصاد مع الكوارث الإنسانية المتسارعة. ويؤكد احتجاز موظفي الأمم المتحدة أن أي محاولة لتخفيف الأزمة الإنسانية لن تكون فعالة ما لم يتم احترام المبادئ الإنسانية والقانونية، وإيقاف كل أشكال الضغط على عمل المنظمات الدولية.

وتوضح الحوادث الأخيرة أن الحوثيين يستخدمون مبدأ القوة والضغط السياسي لكسب مكاسب استراتيجية، في حين يدفع الشعب اليمني الثمن الأكبر، إذ يظل الملايين تحت تهديد الجوع والمرض والنزوح المستمر. وتبقى الحماية الدولية لموظفي الإغاثة ضرورة قصوى لضمان استمرار إيصال المساعدات، وإن أي تقاعس دولي أو محلي سيؤدي إلى اتساع رقعة الأزمة لتطال حياة كل اليمنيين الأبرياء، وتجعل اليمن نموذجًا كارثيًا لفشل التسويات السياسية في ظل النزاعات المسلحة الممتدة.

 


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 1