بعد خمسة عشر عاماً على بدء النقاش حول مصير السلاح الفلسطيني في لبنان، عاد الملف إلى الواجهة مع بدء عملية تسليم سلاح المخيمات إلى الجيش اللبناني هذا التطور أعاد تسليط الضوء على واقع المخيمات الممتدة من شمال لبنان إلى جنوبه، والتي لم تعد مجرد مساكن للاجئين، بل أصبحت ساحات سياسية وأمنية متشابكة تُدار بشبكات نفوذ موازية للدولة اللبنانية.
السياق السياسي والأمني:
رغم مرور عقود على وجود الفلسطينيين في لبنان، ظل سلاح المخيمات أحد أكثر الملفات حساسية. وقد أشار الجانب الفلسطيني إلى أن السلاح أدى غرضه في مراحل سابقة، وأن المرحلة الحالية تتطلب تسليمه للدولة اللبنانية، بما يتوافق مع الاتفاقات الموقعة بين الطرفين وبدأت العملية رسمياً في أغسطس 2025، مع التركيز على مخيمات بيروت والجنوب على أن تُستكمل في مراحل لاحقة.
تنوع المخيمات وأعداد اللاجئين:
يضم لبنان 12 مخيماً معترفاً بها رسمياً من وكالة الأونروا، موزعة على الشمال والجنوب وبيروت وضواحيها، يعيش نحو 174 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، نصفهم تقريباً داخل المخيمات. وتختلف الصورة من مخيم لآخر، فهناك مخيمات من دون سلاح تقريباً، بينما تُعد بعض المخيمات الأخرى ساحات مواجهة بين فصائل متعددة، مع وجود شبكات تهريب وفساد تؤثر على الأمن الداخلي.
حركة فتح: العمود الفقري التقليدي:
على مدى عقود، شكلت حركة «فتح» القوة الأساسية في المخيمات، إذ سيطرت على اللجان الشعبية وأدارت قوات الأمن الفلسطيني، ورغم الانقسامات وصعود الحركات الإسلامية، تبقى فتح المرجع الأول للدولة اللبنانية والجهات الدولية، خصوصاً في مخيمات مثل برج البراجنة وشاتيلا، حيث تمثل القوة التقليدية الفاعلة.
صعود حماس والجهاد الإسلامي:
شهد العقدان الأخيران صعود نفوذ حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، خصوصاً في مخيمات الجنوب، عبر عملهما الاجتماعي وشبكات مؤسساتهما، هذا التحول أوجد معادلة جديدة تحد من سيطرة فتح المنفردة، ويستدعي معالجة سياسية وقانونية دقيقة لإدارة السلاح وحركة الفصائل دون تفجير الأوضاع.
الحضور الرمزي للفصائل القديمة:
بعض الفصائل الفلسطينية المرتبطة سابقاً بدمشق، مثل الجبهة الشعبية – القيادة العامة وفتح الانتفاضة، تحتفظ بحضور محدود، يقتصر غالباً على الشمال والبقاع. ومع تراجع شعبيتها، أصبح وجودها أكثر رمزية من كونه فاعلاً على الأرض.
عين الحلوة: الاختبار الأصعب:
يُعد مخيم «عين الحلوة» الأكبر والأكثر تعقيداً، حيث تتوزع السيطرة بين فتح وحماس والجهاد الإسلامي، إلى جانب مجموعات سلفية.
الاشتباكات السابقة أظهرت هشاشة التوازن داخله، مما يجعل أي محاولة لانتزاع السلاح بالقوة محفوفة بالمخاطر.
خريطة النفوذ في المخيمات:
الشمال: مخيمات مثل نهر البارد والبداوي تخضع لرقابة صارمة مع وجود رمزي للفصائل التقليدية.
بيروت: مخيمات برج البراجنة وشاتيلا مزدحمة، وتبقى فتح القوة الفاعلة مع نفوذ اجتماعي لحماس.
الجنوب: مخيمات الرشيدية والبرج الشمالي والبص تشهد توازنًا هشًا بين فتح وحماس والجهاد.
صيدا: امتداد لمخيم عين الحلوة لكنه أقل توتراً:
نحو عقلنة الحل:
توضح التجارب أن السلاح الفلسطيني في المخيمات بات يشكل عبئاً داخلياً أكثر منه أداة دفاعية.
ويرى مراقبون أن الحل يكمن في تنظيم السلاح الفردي بشكل قانوني، مثل حراسة المنشآت، مع ضبط دقيق تحت إشراف الدولة. كما أن نجاح هذه الخطة مرتبط بمنح الفلسطينيين حقوقاً مدنية أساسية، تشمل التملك والعمل والرعاية، بما يضمن طمأنتهم ويحول المخيمات إلى فضاءات مدنية آمنة.
السيناريوهات المحتملة:
1. نجاح عملية نزع السلاح:
إذا تمكنت الدولة اللبنانية والفصائل من إدارة الحوار السياسي والأمني بشكل هادئ، يمكن تحويل المخيمات إلى فضاءات مدنية نسبياً، مع تخفيف النفوذ المسلح، وتحسين الخدمات الأساسية للفلسطينيين.
2. تعثر العملية وتصاعد التوتر:
أي محاولة لإجبار الفصائل على تسليم السلاح بالقوة قد تؤدي إلى اشتباكات مسلحة داخل المخيمات، خصوصاً في عين الحلوة، ما قد يثير تداعيات أمنية كبيرة على المستوى المحلي والإقليمي.
3. الحفاظ على الوضع القائم:
يبقى السلاح منتشراً في المخيمات، مع استمرار النفوذ الموزع بين فتح، حماس، الجهاد الإسلامي، والمجموعات السلفية. هذا السيناريو يؤدي إلى استمرارية التوتر، مع تداعيات على الأمن اللبناني الداخلي واستغلال المخيمات لشبكات تهريب أو أنشطة غير قانونية.
4. حل تدريجي مع امتيازات مدنية:
يُعد السيناريو الأكثر واقعية إذا تم ربط تسليم السلاح بحقوق مدنية للفلسطينيين، ما يمنحهم طمأنة أمام التهديدات المحتملة، ويضمن للدولة اللبنانية السيطرة على الأمن دون إحداث صدام مباشر.