تركيا وإسرائيل.. مواجهة مؤجلة وصراع نفوذ مفتوح

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.09.02 - 05:32
Facebook Share
طباعة

منذ حادثة "مافي مرمرة" عام 2010 التي قُتل فيها نشطاء أتراك على يد الجيش الإسرائيلي، والعلاقات التركية الإسرائيلية تشهد تذبذبا بين القطيعة ومحاولات التقارب المحدود. ومع العدوان المستمر على غزة ، أعلنت أنقرة وقف التبادل التجاري مع تل أبيب وإغلاق الموانئ أمام السلع الإسرائيلية، في خطوة وصفت بأنها تصعيد جديد يعيد التوتر بين الطرفين إلى واجهة المشهد الإقليمي.
ورغم امتلاكهما قدرات عسكرية واقتصادية معتبرة، فإن طبيعة الخلاف بين أنقرة وتل أبيب تتجاوز الميدان العسكري لتشمل ملفات النفوذ الإقليمي، العلاقات مع الغرب، وأوراق الضغط المرتبطة بالأقليات والاقتصاد والطاقة.

الردع العسكري أكثر من حرب مباشرة:

يمتلك الطرفان قوة عسكرية ضخمة، إلا أن مراقبين يرون أنها تُستخدم بالأساس كأداة ردع تمنع اندلاع مواجهة مفتوحة. فكل جانب يدرك أن أي صدام مباشر ستكون كلفته مرتفعة، لذلك تبقى القوة وسيلة ضغط واستعراض أكثر من كونها خيارًا فعليًا للاستخدام.

موازين القوة: تركيا بعمقها وإسرائيل بتفوقها التقني

وفق تقييمات عسكرية، تتميز تركيا بعمقها الجغرافي والديمغرافي، إضافة إلى قدرات متنامية في مجالات الدفاع الجوي والطائرات المسيرة والصواريخ والقدرة على خوض مواجهات طويلة الأمد.
أما إسرائيل فتتمتع بتفوق واضح في القدرات الجوية والسيبرانية والاستخباراتية، فضلا عن منظومات دفاع جوي متقدمة تعد من الأحدث عالميًا.
أنقرة اتخذت في الأسابيع الأخيرة إجراءات لتعزيز قدراتها الدفاعية، شملت تطوير أنظمة محلية، وبناء ملاجئ متطورة، والسعي لاقتناء مقاتلات أوروبية حديثة، بما يوحي باستعدادها لأي طارئ يغيّر موازين القوى.

الاقتصاد وغاز شرق المتوسط: أوراق ضغط متبادلة:

في الجانب الاقتصادي، يوضح مراقبون أن قطع العلاقات التجارية بين البلدين ترك آثارًا متبادلة. فقد خسرت تل أبيب سوقًا مهمًا للمنتجات الزراعية التركية، بينما تأثر القطاع السياحي في أنقرة بتراجع أعداد السياح الإسرائيليين.
ومع ذلك وجد الطرفان قنوات بديلة للالتفاف على هذه الخسائر، ما يجعل الضغط الاقتصادي متبادلًا لكنه غير حاسم.
أما في ملف الطاقة، فقد مثّل التحالف الإسرائيلي مع مصر واليونان وقبرص ورقة ضغط مهمة ضد تركيا في شرق المتوسط.
غير أن تحسن العلاقات بين أنقرة والقاهرة ودول خليجية خفّف من تأثير هذه الورقة وأضعف قدرة تل أبيب على عزل أنقرة إقليميًا.

ورقة الأقليات في سوريا:

شهدت السنوات الأخيرة استخدام ملف الأقليات كورقة ضغط متبادلة. فالعلاقة الإسرائيلية مع بعض الأطراف الكردية، ودعمها لفصائل في شمال سوريا، تثير مخاوف أنقرة من استنزاف نفوذها على حدودها الجنوبية كما أن دعم تل أبيب لبعض المجموعات الدرزية في الجنوب السوري يُنظر إليه كمحاولة لإضعاف الموقف التركي في الساحة السورية.
ويرى مراقبون أن هذه الأوراق تبقى ذات تأثير مرحلي، لكنها لا تملك القدرة على تغيير موازين المواجهة بشكل كامل.

العلاقة مع الغرب:

لا يمكن فصل التوتر التركي الإسرائيلي عن مواقف الغرب. فأوروبا تتعامل ببراغماتية مع الطرفين، وتحرص على عدم خسارة أنقرة كقوة رئيسية في حلف شمال الأطلسي. وفي حال اندلاع مواجهة، قد تنقسم المواقف الأوروبية بين مؤيد لإسرائيل وداعٍ إلى التهدئة. أما الولايات المتحدة، فترتبط بعلاقات استراتيجية قوية مع تل أبيب، لكنها تدرك في الوقت نفسه أهمية الشراكة مع تركيا في مواجهة روسيا وإدارة التوازنات الإقليمية. لذلك يرجّح أن تدفع واشنطن نحو التهدئة وتفادي التصعيد، مع انحياز واضح لإسرائيل إذا وصلت الأمور إلى مواجهة مفتوحة.

سيناريوهات المستقبل:

خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة اتسمت العلاقة بين أنقرة وتل أبيب بمواجهات غير مباشرة، اتخذت أشكالا سياسية واقتصادية وأمنية أكثر من كونها عسكرية.
ومع التصعيد الأخير في غزة وقرار أنقرة بقطع العلاقات التجارية، تبدو المنطقة مرشحة لمزيد من التحولات ويجمع خبراء على أن الصدام العسكري المباشر هو السيناريو الأسوأ والأقل احتمالًا، في حين تبقى المنافسة الإقليمية وصراع النفوذ الجيوسياسي المسار الأكثر ترجيحًا في المرحلة المقبلة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 7