من الاعتراف بالدولة إلى ضم الأرض: مواجهة مفتوحة بين إسرائيل والعالم

أماني إبراهيم/ وكالة أنباء آسيا

2025.09.02 - 12:18
Facebook Share
طباعة

لم يكن إعلان فرنسا وعدد من الدول الغربية الاعتراف بدولة فلسطين حدثًا عابرًا في المشهد السياسي الدولي، بل مثل صدمة مباشرة لإسرائيل دفعتها إلى إعادة خلط أوراقها. فبعد أيام قليلة من هذه الاعترافات، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مشاورات داخلية موسعة تبحث في خيار فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء واسعة من الضفة الغربية، في خطوة تبدو وكأنها إعلان مواجهة سياسية مفتوحة مع المجتمع الدولي.

منذ سنوات، ظل ملف الضم مطروحًا في أجندة اليمين الإسرائيلي، لكنه بقي رهين التوازنات الإقليمية والدولية. اليوم، ومع تنامي موجة الاعترافات الأوروبية والدولية بالدولة الفلسطينية، يجد نتنياهو نفسه أمام لحظة يعتبرها أنصاره فرصة لإعادة ترسيم قواعد اللعبة. السيادة على المستوطنات وغور الأردن ليست مجرد ورقة انتخابية، بل مشروع استراتيجي يسعى إلى فرض واقع قانوني يسبق أي تسوية محتملة.

التحركات الإسرائيلية هذه تعكس في جانب منها مأزقًا داخليًا. فالمجتمع الإسرائيلي يزداد انقسامًا بين تيار يرى في الاعتراف الدولي بفلسطين تهديدًا وجوديًا يستوجب الرد الحازم، وبين قوى أخرى تدرك أن أي خطوة ضم ستعمّق عزلة إسرائيل وتزيد الضغوط القانونية عليها في المحافل الدولية. المحكمة الجنائية الدولية تتابع منذ سنوات ملف الاستيطان، وأي إعلان رسمي بالسيادة قد يفتح الباب واسعًا أمام ملاحقات قانونية يصعب على إسرائيل احتواؤها.

دوليًا، تمثل هذه الخطوة تحديًا مباشرًا للقانون الدولي الذي يعتبر الضفة الغربية أرضًا محتلة لا يجوز تغيير وضعها. الاعترافات الأخيرة بفلسطين جاءت أساسًا لإعادة التوازن لمسار سياسي ميت، لكن إسرائيل اختارت أن تقابلها بخطوات تصعيدية قد تقطع ما تبقى من أوهام التسوية. فرنسا، أستراليا، وبريطانيا لم تكتفِ ببيانات رمزية، بل منحت الشرعية القانونية لفكرة الدولة الفلسطينية، وهو ما يفسره نتنياهو على أنه محاولة لعزل إسرائيل سياسيًا وإضعاف قدرتها على فرض شروطها في أي مفاوضات مستقبلية.

المفارقة أن السيادة التي يسعى نتنياهو لفرضها ليست مجرد قرار سياسي داخلي، بل إعادة رسم لخارطة المنطقة. ضم المستوطنات ومشروع “E1” على سبيل المثال، يعني عمليًا فصل شمال الضفة عن جنوبها ومنع قيام دولة فلسطينية متصلة. وفي حال اتخذت الحكومة الإسرائيلية هذه الخطوة، فإنها ستضع نهاية رسمية لأي حديث عن “حل الدولتين”، لتدخل المنطقة في مرحلة جديدة عنوانها إدارة الصراع بدلًا من حله.

الخلاصة أن إسرائيل، بردها على الاعترافات الدولية بفلسطين عبر التلويح بالسيادة، لا تفعل سوى تكريس واقع الاحتلال. المجتمع الدولي بدوره سيجد نفسه أمام معضلة: إما الاكتفاء بالتنديد، وإما اتخاذ خطوات عملية لمواجهة سياسات الأمر الواقع. وفي الحالتين، تبدو فلسطين مرة أخرى ساحة اختبار لميزان القوى العالمي، بين مشروع دولي يسعى إلى إحياء فكرة الدولة، ومشروع استعماري يعمل على دفنها.

 

 

منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، لم تتوقف إسرائيل عن السعي لفرض وقائع ميدانية تقوّض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية. البداية كانت بمصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، التي تحولت بمرور الزمن إلى بنية تحتية متكاملة من طرق التفافية، وحواجز عسكرية، ومناطق عازلة. وفي كل مرحلة سياسية، كانت إسرائيل تستخدم خطاب "الأمن" لتبرير التوسع.

عام 1980 أقرّ الكنيست قانون "القدس الموحدة" الذي ضم الشطر الشرقي من المدينة، في تحدٍ صريح للقرارات الدولية. ثم جاءت اتفاقيات أوسلو في التسعينيات لتمنح إسرائيل غطاءً لمزيد من التمدد، عبر تقسيم الضفة إلى مناطق (أ، ب، ج)، وهو تقسيم استغلته الحكومات المتعاقبة لتعزيز السيطرة على المنطقة "ج" التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة.

في 2005 انسحبت إسرائيل من غزة لكنها شددت قبضتها على الضفة، ثم عاد الحديث عن ضمّ غور الأردن والمستوطنات الكبرى خلال عهد حكومة نتنياهو السابقة، خصوصًا في 2020 بالتزامن مع خطة ترامب المعروفة بـ"صفقة القرن". ورغم أن تلك الخطة لم تُطبق كاملة، إلا أنها فتحت المجال أمام إسرائيل لتوسيع شرعية مشروع الضم في الخطاب السياسي الداخلي.

اليوم، ومع موجة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، يعود نتنياهو لاستخدام ورقة الضم كأداة للمواجهة، مستندًا إلى قاعدة يمينية ترى أن الزمن كفيل بفرض السيادة بحكم الأمر الواقع، وأن المجتمع الدولي لن يذهب أبعد من بيانات الإدانة. لكن التاريخ ذاته يكشف أن كل خطوة ضم لم تمر من دون ثمن، سواء عبر تصاعد المقاومة الفلسطينية أو عبر اتساع عزلة إسرائيل على الساحة العالمية.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 7