في الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء، اهتزت بلدة الشحيل في ريف دير الزور الشرقي على وقع أصوات المروحيات والانفجارات الخاطفة. نفذت قوات التحالف الدولي، بمشاركة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، عملية إنزال جوي استهدفت منازل محددة داخل أحياء الحاوي والكتف. لم تدم العملية طويلاً، لكنها تركت وراءها الكثير من علامات الاستفهام.
تفاصيل العملية
شهود من البلدة أكدوا أن القوات المشاركة اعتقلت عدداً من المدنيين، قبل أن تفرج عن بعضهم لاحقاً، بينما أبقت على شخصين هما عز الدين الوادي وحسان الوادي. الغريب أن المستهدفين الأصليين لم يتمكن التحالف من الوصول إليهم، حيث تشير المصادر إلى أنهم يتبعون لجهات مرتبطة بالحكومة السورية، ما يجعل العملية أكثر تعقيداً من مجرد ملاحقة خلايا لتنظيم الدولة.
المصادر الأهلية نفت بشكل قاطع وجود أي نشاط للتنظيم داخل الشحيل، مؤكدة أن المنطقة تخلو من مقاتليه تماماً. وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة الأهداف الحقيقية لهذه العملية، ولماذا وقع الاختيار على هذه البلدة بالذات.
إنزالات متكررة.. استراتيجية واضحة
هذه ليست المرة الأولى التي ينفذ فيها التحالف عمليات مماثلة في سوريا. ففي أغسطس الماضي، جرى إنزال جوي مشترك مع القوات الحكومية في منطقة أطمة بريف إدلب، استهدف قيادياً عراقياً بارزاً في تنظيم الدولة. العملية أسفرت عن مقتله واعتقال خمسة أشخاص آخرين، قُدّموا لاحقاً إلى قوى الأمن الداخلي.
كما شهدت مدينة الباب في ريف حلب الشرقي غارة أمريكية أخرى، أدت إلى مقتل القيادي ضياء زوبع مصلح الحرداني، وابنيه العضوين في التنظيم. ورغم وجود نساء وأطفال في الموقع، إلا أنهم خرجوا دون إصابات، في عملية وُصفت بالدقيقة من الناحية الاستخباراتية.
الشحيل.. لماذا الآن؟
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا اختيرت الشحيل في هذا التوقيت؟ البلدة تُعد من أكثر المناطق حساسية في ريف دير الزور، فهي تقع ضمن نفوذ "قسد"، لكنها محاطة بتوازنات عشائرية وسياسية معقدة. أي تحرك عسكري فيها قد يثير جدلاً واسعاً، خصوصاً إذا استهدف مدنيين أو شخصيات محلية ذات مكانة اجتماعية.
العمليات الخاصة.. ما وراء التكتيك
من المعروف أن التحالف يعتمد بشكل أساسي على العمليات الخاصة والإنزالات الجوية بدلاً من الحملات العسكرية الواسعة. هذا التكتيك يحقق عدة أهداف:
- تقليل الخسائر البشرية في صفوف القوات.
- ضرب أهداف دقيقة اعتماداً على معلومات استخباراتية.
- إرسال رسائل سياسية إلى الخصوم والحلفاء على حد سواء.
لكن الوجه الآخر لهذه العمليات أنها تثير مخاوف الأهالي من الاعتقالات العشوائية، أو من الانتهاكات التي قد تحدث أثناء المداهمات الليلية. وفي حالة الشحيل، يرى بعض السكان أن العملية كانت مبالغاً فيها، خاصة وأن المطلوبين لم يتم القبض عليهم بالنهاية.
التوازنات المعقدة شرق الفرات
شرق سوريا، وبخاصة دير الزور، يعيش حالة من التعقيد الاستثنائي. فالقوات الدولية، و"قسد"، والحكومة السورية، إضافة إلى الفصائل المحلية والعشائر، كلها أطراف تتقاطع وتتصادم أحياناً في هذه الرقعة الجغرافية. لذلك فإن أي عملية أمنية لا يمكن النظر إليها بمعزل عن هذه التوازنات.
التحالف يصر على أن عملياته تستهدف "إزالة خطر التنظيم"، بينما يرى آخرون أن بعض الإنزالات تحمل أبعاداً سياسية أوسع، كتقييد نفوذ أطراف محلية أو إرسال رسائل للحكومة السورية.
النهاية المفتوحة
عملية الشحيل الأخيرة ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة من الإنزالات التي ينفذها التحالف في سوريا. لكنها في الوقت نفسه تحمل دلالات أعمق، خاصة مع فشل القوات في القبض على الأهداف الرئيسية.
يبقى السؤال مطروحاً: هل كانت العملية مجرد "خطأ استخباراتي"؟ أم أنها جزء من صراع أكبر تُحاك خيوطه خلف الكواليس؟