على الرغم من امتلاك المعارضة الإسرائيلية 52 مقعداً في الكنيست، إلا أن واقعها السياسي يعكس حالة من التشتت والضعف تجعلها عاجزة عن تقديم بديل فعلي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حتى بعد أكثر الحروب دموية في تاريخ إسرائيل منذ عام 2023. الانقسامات الداخلية، الصراعات الشخصية، وتباين الأيديولوجيات بين مكوناتها جعلها غير قادرة على تقديم رؤية موحدة أو خطة استراتيجية للتعامل مع الأزمات الداخلية والخارجية.
تعدد المكونات وتناقض الأهداف:
تتألف المعارضة من أحزاب متنوعة تشمل اليسار المعتدل، اليمين المعتدل، والأحزاب العربية، أبرز هذه المكونات يشمل حزب يش عتيد بقيادة يائير لبيد الذي يسيطر على أكبر كتلة بـ24 مقعدًا، ومعسكر الدولة بقيادة بيني غانتس الذي يضم حزب أزرق أبيض مع انشقاقات لاحقة بقيادة غادي آيزنكوت، وحزب إسرائيل بيتنا برئاسة أفيغدور ليبرمان، وحزب العمل والديمقراطيون بقيادة يائير غولان بعد اتحاد مع حزب ميرتس، بالإضافة إلى القائمة العربية الموحدة (راعام) برئاسة منصور عباس، والجبهة العربية للتغيير برئاسة أيمن عودة.
يعكس هذا التنوع الطبيعة المتنافرة للمعارضة إذ تتباين أهدافها بين النهج القومي والإصلاحي والتمثيل العربي ما يجعل من الصعب تحريكها كوحدة سياسية متماسكة. الانقسامات الأيديولوجية عكست صعوبة التنسيق بين الأحزاب المختلفة وضعفت قدرتها على تقديم خطاب سياسي موحد أمام الجمهور الإسرائيلي.
فقدان المبادرة وسط الأزمات:
على مدار عامين فشلت المعارضة في تقديم بديل قادر على مواجهة ائتلاف نتنياهو المستقر، وتعززت قوة الأخير بعد انضمام غانتس إلى حكومة الحرب خلال عملية "طوفان الأقصى" رغم تراجع حكومته لاحقاً إلى حكومة أقلية بعد خروج أحزاب مثل شاس ويهوديت هتوارة.
في أغسطس، قدم غانتس ما سُمّي بـ"حكومة فداء الرهائن" بهدف التخفيف من الضغوط على نتنياهو، إلا أن رد فعل ليبرمان كان لاذعًا ووصفه بأنه منهك وخائف ويتوسل لإنقاذ حياته، ما يعكس حالة الاستقطاب الشخصي والسياسي داخل المعارضة ويبرز هشاشة قدرتها على المبادرة والتأثير في الأحداث المصيرية.
التشظي والانقسامات الداخلية:
التوتر بين لبيد وغولان يعد أبرز علامات الانقسام إذ اعتبر معسكر لبيد أن تحركات غولان تفيد نتنياهو أكثر مما تضعفه. أما غانتس فهو يعيش أزمة قيادة داخلية ووصفه المحلل يوفال كارني بأنه يتخبط في الضباب بينما يزداد غولان بروزًا مما يعمق ضعف توجيه المعارضة للوسط واليسار. الكراهية بين غانتس واليسار تحول دون التركيز على الهدف الأساسي وهو إسقاط حكومة نتنياهو، وتضع المعارضة في حلقة مفرغة من التنافس الشخصي والصراع الداخلي، ما يضعف قدرتها على تقديم رؤية سياسية واضحة.
مأزق الهوية السياسية:
أزمة الهوية السياسية للمعارضة تكمن في غياب رؤية واضحة وشاملة إذ يقتصر خطابها غالبًا على مهاجمة نتنياهو بسبب الفساد وأحداث 7 أكتوبر دون تقديم بديل استراتيجي شامل يمكنه توحيد الصفوف المختلفة. ويرى مراقبون أن الأزمة تعكس محدودية الديمقراطية الإسرائيلية حيث المشاركة العربية غالبًا شكلية، والثقافة السياسية المسيطرة منذ عقود هي ثقافة اليمين التي رسخها نتنياهو، فإن تحركات غانتس وليبرمان تمثل تعميقًا للشرخ داخل المعارضة إذ لا تعكس رغبة في تشكيل بديل جامع يعبر عن التنوع ويعالج الأزمات بل تمثل تحالفات ضيقة تغذي الانقسامات بدلاً من تجاوزها.
التماهي تحت ظل الحرب:
منذ هجوم 7 أكتوبر اتفقت المعارضة والحكومة على أهداف الحرب الكبرى رغم اختلاف الأساليب إذ توافق الجميع على ضرورة إعادة الرهائن من غزة مع اختلاف في السرعة والطريقة.
كما اتفقت الأطراف على إضعاف قدرات حركة حماس مع اختلاف في الوسائل والزمن. بالنسبة للدولة الفلسطينية فإن معظم المعارضة تتفق ضمنيًا مع سياسة نتنياهو الرافضة لإقامة دولة فلسطينية حالياً بينما يتحدث لبيد وغانتس عن حل بعيد المدى أو كيان منزوع السلاح دون دولة ذات سيادة ويوافق الجميع على سياسات الضفة الغربية المتعلقة بالاستيطان والضم الصامت.
هذا التماهي يعكس هشاشة المعارضة ويزيد من قوة نتنياهو السياسية رغم كل الأزمات.
سيناريوهات المستقبل:
يبقى المشهد السياسي الإسرائيلي معقدًا إذ أن ضعف المعارضة وانقسامها وتماهي بعض أقطابها مع الحكومة في ملفات الحرب كلها عوامل تمنح نتنياهو قوة مستمرة حتى في ظل أسوأ الأزمات وأطول الحروب.
من المحتمل أن تستمر المعارضة في ضعفها الحالي ما يمنح نتنياهو مزيدًا من الاستقرار السياسي، وقد تنشأ محاولات لتشكيل تحالف انتخابي جديد بين اليسار والعرب إلا أن الانقسامات الشخصية والأيديولوجية تجعل من هذا التحالف ضعيفًا. كما أن أي تغييرات قيادية داخل المعارضة لن تضمن توحيد الصفوف بشكل كامل وقد تؤدي أي أزمة أمنية أو تصعيد عسكري جديد إلى إعادة توجيه الأنظار نحو الحكومة ما يعمق التماهي بين المعارضة والحكومة ويزيد هشاشة الخطاب السياسي المعارض.
يبقى التحدي الأكبر للمعارضة الإسرائيلية ليس فقط إسقاط نتنياهو بل إعادة بناء هوية سياسية واضحة قادرة على الجمع بين التنوع الداخلي والمصلحة الوطنية بعيدًا عن الانقسامات والصراعات الشخصية.
ضعف المعارضة، تشظيها الداخلي، وتماهي بعض أقطابها مع الحكومة في ملفات الحرب كلها عوامل تمنح نتنياهو قوة سياسية مستمرة، بينما تبقى المعارضة عاجزة عن تقديم أي بديل حقيقي، ما يجعل المشهد السياسي الإسرائيلي بعد أحداث 7 أكتوبر أكثر هشاشة وتعقيداً.