المؤثرون وسوريا: بين النفوذ والتسويق الاجتماعي

رزان الحاج

2025.09.01 - 04:31
Facebook Share
طباعة

 
أصبح دور المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا موضوع نقاش واسع، بعد أن حصل عدد كبير منهم على دعوات رسمية من الحكومة لحضور فعاليات ومؤتمرات. المؤثرون هم الأشخاص الذين يمتلكون جمهوراً كبيراً من المتابعين، ويستطيعون توجيه هذه الشعبية للترويج لأفكار أو منتجات أو أهداف محددة، مما يجعلهم أدوات مهمة في تشكيل الرأي العام لدى شريحة واسعة من المجتمع.


الجدل حول هذه الدعوات يتركز حول نوعية المحتوى الذي يقدمه هؤلاء المؤثرون. فبينما يرى البعض أن استغلال شهرتهم يمكن أن يسهم في توصيل رسائل إيجابية أو نشر ثقافة معينة، يشير آخرون إلى أن بعض المؤثرين لا يقدمون محتوى هادفاً أو ذا قيمة، وأن اعتماد الحكومة عليهم قد يساهم في ترسيخ الرسائل السطحية بدلاً من بناء وعي حقيقي لدى الجمهور، خصوصاً الشباب.


تثير بعض الحالات انتقادات إضافية، إذ يتجاهل بعض المؤثرين عند زيارتهم مناطق متضررة من الحرب أو الفقر، الواقع الاجتماعي الصعب الذي يعيشه الناس، مثل انتشار الفقر بين الأطفال وكبار السن والشباب المشردين، أو قسوة الحياة اليومية التي خلفتها سنوات طويلة من النزاع. وبدلاً من تسليط الضوء على هذه القضايا الحقيقية، قد يركز بعضهم على المشاهد الجاذبة للمتابعة والترند على وسائل التواصل، ما يخلق صورة مشوهة أو سطحية عن الواقع.


في المقابل، يشير طرف آخر من السوريين إلى أن الحكومات حول العالم تدرك تأثير المؤثرين على وسائل التواصل، وتعمل على التعامل معهم كجزء من استراتيجيات القوة الناعمة، سواء من خلال احتوائهم أو تحييدهم عن الخطاب المعارض. وفي هذا السياق، يراه البعض وسيلة ضرورية للوصول إلى شرائح من الجمهور، خصوصاً جيل الشباب الذي يُعرف باسم "جيل زد"، والذي لا يمكن الوصول إليه بسهولة من خلال الإعلام التقليدي.


وبينما يعتبر البعض أن استقطاب المؤثرين الذين يقدمون محتوى محدود القيمة نوع من التسويق السطحي، يرى صانعو القرار أن حجم الجمهور والمتابعين يمثل معياراً أساسياً، بغض النظر عن مستوى جودة المحتوى، إذ يمكن استغلال هذا النفوذ للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المتلقين ونقل رسائل معينة بشكل فعال.


تجربة المؤثرين في سوريا تعكس أيضاً بعداً آخر، وهو التوازن بين الحرية الفردية للمؤثرين والرسائل التي ترغب الحكومة في تمريرها. بعض المؤثرين قد يُستخدمون كمنصات دعائية مباشرة أو غير مباشرة، بينما يستمر آخرون في إنتاج محتوى مستقل، مما يعكس ديناميكية معقدة بين الجهات الرسمية والمجتمع الرقمي.


التحليل
يمكن القول إن النقاش حول دور المؤثرين في سوريا يعكس تحولات طبيعة الإعلام والتواصل في العصر الرقمي. فبينما كانت الحكومات تعتمد في السابق على وسائل الإعلام التقليدية للاتصال بالمواطنين، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي قوة مؤثرة لا يمكن تجاهلها. في هذا السياق، يسعى صانعو القرار إلى إيجاد التوازن بين احتواء المؤثرين والاستفادة من جمهورهم، وبين احترام استقلاليتهم في التعبير وتجنب الاستغلال المباشر أو فرض الرسائل بشكل صارم.


الواقع السوري، الذي شهد تغييرات كبيرة بعد سنوات من النزاع، يجعل من المؤثرين أدوات فعالة للوصول إلى قطاعات معينة من المجتمع، خصوصاً الشباب، كما يتيح لهم فرصة نشر رسائل إعلامية أو ثقافية بسرعة وفاعلية أكبر من الطرق التقليدية. ومع ذلك، يظل السؤال مفتوحاً حول مدى ملاءمة المحتوى الذي يُقدّم، وكيفية التوفيق بين النفوذ الرقمي والمسؤولية الاجتماعية.


إن الاهتمام بالحضور الرقمي المؤثر في السياق السوري يعكس تحولات في طرق بناء الرأي العام، ويظهر أن الاستراتيجيات الرقمية أصبحت جزءاً أساسياً من أي جهود للتواصل مع الجمهور، حتى في البيئات التي تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 4