بعد سنوات من اللجوء في ألمانيا، يعيش العديد من السوريين حالة من التناقض بين الامتنان للدعم الذي قدمته البلاد والحنين إلى وطنهم، مع شعور متزايد بالعزلة والاغتراب. هذه المشاعر تدفع البعض للتفكير بالرحيل، سواء نحو سوريا بعد انتهاء الحرب أو إلى دول أخرى بحثًا عن فرص حياة أفضل.
يعيش اليوم في ألمانيا نحو مليون سوري بشكل قانوني، وجاء وصول الكثيرين منهم منذ عام 2015، هربًا من ويلات الحرب. ومع مرور السنوات، أظهرت بيانات حديثة أن نحو 2.6 مليون شخص فكروا بالمغادرة، بينما خطط 300 ألف شخص للهجرة بشكل ملموس، وهو ما يعكس شعورًا متزايدًا بعدم الانتماء الكامل رغم الحصول على الجنسية الألمانية والحقوق القانونية.
العزلة الاجتماعية والضغوط النفسية
أحد أبرز الأسباب التي تدفع السوريين للتفكير بالمغادرة هي شعورهم بالوحدة والعزلة الاجتماعية. يعيش العديد منهم حياة يومية روتينية، يذهبون من المنزل إلى العمل ثم العودة، دون وجود حياة اجتماعية حقيقية أو تواصل دائم مع مجتمعهم الأصلي. هذه العزلة تضيف عبئًا نفسيًا لللاجئين الذين يحملون معهم ذكريات الحرب والضغوط المرتبطة بالنزوح والاغتراب.
على سبيل المثال، بعض الشباب السوريين يشيرون إلى أن الشعور بالانفصال عن المجتمع وانعدام الفرص الاجتماعية لقيادة حياة طبيعية يدفعهم للتفكير في العودة إلى سوريا، حيث يمكنهم المشاركة في إعادة بناء بلادهم والارتباط بمجتمعهم بشكل أعمق.
فرص العمل والدوافع الاقتصادية
الدافع المهني والاقتصادي أيضًا يلعب دورًا حاسمًا في قرار البقاء أو المغادرة. يجد بعض السوريين صعوبة في الحصول على وظائف مناسبة تتوافق مع خبراتهم وتطلعاتهم، ما يجعل حياتهم في ألمانيا مقيدة ومحدودة. الحصول على فرصة عمل جيدة يمكن أن يقلل من مشاعر العزلة ويجعل الحياة في ألمانيا أكثر احتمالًا، لكن عدم توافر هذه الفرص يدفع البعض إلى التفكير بالهجرة إلى دول أخرى أو العودة إلى سوريا.
الجنسية الألمانية صمام أمان
بالرغم من هذه التحديات، يرى آخرون أن الجنسية الألمانية توفر لهم صمام أمان، خصوصًا مع التغيرات السياسية وعدم الاستقرار في المنطقة. الجنسية تمنحهم حقوقًا قانونية وحماية في حالة أي اضطرابات مستقبلية، لكنها لا تلغي شعور الحنين للوطن أو الرغبة بالارتباط بمجتمعهم الأصلي.
واقع الترحيب الاجتماعي
تشير الدراسات إلى تراجع شعور السوريين بالترحيب في المجتمع الألماني على مدى السنوات. فقد انخفضت نسبة الشعور بالقبول من 84% في عام 2017 إلى 65% في 2023، مما يزيد من شعور اللاجئين بالاغتراب ويؤثر على رغبتهم في الاستقرار على المدى الطويل.
تحليل الوضع
توضح هذه الظاهرة تداخلًا بين العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية في حياة السوريين في ألمانيا. على الرغم من توفر الأمان والحقوق القانونية، إلا أن غياب الدعم الاجتماعي، وضيق فرص العمل الملائمة، والتحديات الثقافية واللغوية، تجعل بعض اللاجئين يفكرون في مغادرة البلاد.
خلاصة
واقع السوريين في ألمانيا بعد سنوات من اللجوء يعكس تحديات الاندماج النفسي والاجتماعي رغم الاستقرار القانوني. الهجرة أو العودة للوطن ليست مجرد قرار اقتصادي، بل هي خيار ينسج بين مشاعر الحنين، الرغبة في الاندماج، وتطلعات الحياة المهنية والاجتماعية. الأوضاع تشير إلى أن على السياسات المحلية والمجتمع المضيف تقديم دعم أكبر للتخفيف من شعور العزلة وتعزيز الاندماج الكامل، لتجنب موجات مغادرة محتملة قد تؤثر على مستقبل اللاجئين السوريين.