من غزة إلى مجلس العموم: كيف يغيّر الاعتراف البريطاني بفلسطين قواعد اللعبة؟

2025.09.01 - 02:56
Facebook Share
طباعة

تتجه الأنظار إلى لندن في سبتمبر المقبل، حيث تؤكد مصادر بريطانية أن الحكومة لم تتخل عن خططها للاعتراف بدولة فلسطين خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة. ورغم الضغوط الإسرائيلية والجدل الداخلي، تشير صحيفة الغارديان إلى أن بريطانيا "على طريق الاعتراف"، في خطوة قد تعيد رسم خريطة المواقف الأوروبية تجاه الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

 

منذ تولي حزب العمال الحكم بقيادة كير ستارمر، برزت إشارات متكررة حول تبني مقاربة أكثر توازناً حيال القضية الفلسطينية. ففي يوليو الماضي، أصدر مكتب رئيس الوزراء بياناً يربط الاعتراف بدولة فلسطين بسلوك إسرائيل في غزة، ولا سيما منع المساعدات الإنسانية واستمرار العمليات العسكرية. هذه الصياغة تعكس إدراكاً في لندن بأن استمرار الحرب يهدد ليس فقط الاستقرار الإقليمي، بل صورة بريطانيا أمام حلفائها الأوروبيين.

الاعتراف بين الحسابات الدبلوماسية والأمنية

وزير الخارجية ديفيد لامي يستعد لتأكيد هذا الموقف رسمياً في مجلس العموم، غير أن الاعتراف لا ينفصل عن شبكة معقدة من الاعتبارات:

دبلوماسياً: خطوة الاعتراف تعني اصطفاف بريطانيا مع فرنسا، أستراليا وكندا التي أعلنت نيتها اتخاذ الموقف ذاته، وهو ما يزيد عزلة إسرائيل دولياً.

أمنياً: لندن تحسب حساب رد الفعل الإسرائيلي، خاصة بعد تسريبات عن نوايا ضم أجزاء من الضفة الغربية كإجراء انتقامي، ما قد يضع بريطانيا في مواجهة سياسية مباشرة مع حكومة نتنياهو.

داخلياً: حزب العمال يواجه ضغطاً من قواعده ومن الجالية المسلمة في بريطانيا لدفع الحكومة نحو موقف أكثر صرامة مع إسرائيل.


ردود إسرائيلية وتصعيد محتمل

التسريبات القادمة من تل أبيب تشير إلى دراسة خطط لضم المستوطنات في الضفة الغربية أو مناطق مثل غور الأردن كرد على اعتراف بريطانيا ودول أوروبية أخرى. ورغم أن هذه الخطط قد تستلزم مساراً تشريعياً طويلاً، إلا أن مجرد التلويح بها يكشف رغبة إسرائيل في التصعيد السياسي وربط الاعتراف الدولي بفعل أحادي موازٍ على الأرض. هذا النهج يكرر سيناريو عام 2020 حين وعد نتنياهو بضم أجزاء واسعة من الضفة قبل أن يتراجع تحت الضغط الدولي.

الموقف الأمريكي: حسابات معقدة

الولايات المتحدة تبدو حذرة إزاء موجة الاعترافات. واشنطن منعت الرئيس الفلسطيني محمود عباس من السفر إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة، في إشارة واضحة إلى أن إدارة بايدن تفضّل إبقاء ملف الاعتراف ضمن نطاق السيطرة. غير أن الموقف الأمريكي يزداد صعوبة مع اتساع دائرة الدول الغربية المؤيدة للاعتراف، ما قد يفرض على واشنطن إعادة النظر في استراتيجيتها تجاه "حل الدولتين".

تداعيات قانونية ودولية

تقرير محكمة العدل الدولية في 2024 أكد أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية غير قانوني ويجب إنهاؤه فوراً. هذا الحكم، وإن كان غير ملزم عملياً، يوفر أرضية قانونية قوية لأي تحرك أوروبي أو أممي للاعتراف بالدولة الفلسطينية. في المقابل، تواصل إسرائيل رفض توصيف "الاحتلال" وتصر على اعتبار الضفة الغربية "أراضي متنازع عليها"، مستندة إلى روايات توراتية وتاريخية.

 

التحرك البريطاني المرتقب لا ينفصل عن موجة دولية أوسع لإعادة إحياء حل الدولتين بعد عامين من الحرب على غزة التي خلفت أكثر من 63 ألف قتيل فلسطيني. ورغم أن الاعتراف البريطاني لن يغير الواقع الميداني فوراً، إلا أنه يمثل ضربة سياسية لإسرائيل، ويعكس تحولاً في المزاج الغربي تجاه صراع طال أمده. ومع دخول الملف الفلسطيني إلى قلب النقاشات في مجلس العموم، فإن لندن تستعد لاتخاذ قرار سيكون له أثر طويل المدى على علاقاتها بالشرق الأوسط وعلى مكانتها كفاعل دولي في مرحلة إعادة تشكيل النظام العالمي.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 9