في مدينة الحسكة، برزت خلال الأيام الأخيرة حملة أمنية واسعة نفذتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أعلنت أنها موجهة ضد خلايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). غير أن اللافت في العملية كان غياب التحالف الدولي عن المشاركة، على عكس ما جرت عليه العادة في العمليات السابقة المشتركة ضد التنظيم. هذا الغياب أثار تساؤلات واسعة حول طبيعة الحملة وأهدافها الحقيقية.
تشير المعطيات إلى أن العملية جاءت استناداً إلى معلومات من الأجهزة الأمنية التابعة لقسد، دون تنسيق مسبق مع التحالف. ويبدو أن هذا العامل كان أساسياً في دفع التحالف للابتعاد عن المشاركة، خصوصاً مع عدم وجود أدلة قاطعة تثبت ارتباط المعتقلين بخلية نشطة من التنظيم. بذلك، وجدت قسد نفسها مضطرة للتحرك منفردة، وهو ما جعل العملية محط جدل واسع في الأوساط المحلية.
من زاوية أخرى، يرى كثير من سكان الحسكة أن الحملة الأمنية لم تكن موجهة فعلاً ضد داعش، بل ضد خصوم قسد ومعارضيها. فقد تركزت الاعتقالات في أحياء مثل غويران، النشوة، الزهور، العزيزية، الغزل، وخشمان، حيث جرى توقيف عدد من الناشطين والشخصيات المعروفة بمواقفها المعارضة. كما شملت الاعتقالات بعض الأفراد الذين تربطهم صلات قرابة مع معارضين خارج البلاد، وهو ما أثار شكوكا حول الدوافع السياسية وراء العملية.
وتؤكد شهادات محلية أن العديد من المعتقلين لم يُعرف عنهم أي ارتباط بداعش أو نشاط مسلح، بل كانوا ناشطين اجتماعيين أو دينيين أو من أبناء عشائر معروفة في المنطقة. على سبيل المثال، جرى اعتقال إمام مسجد في حي غويران، إضافة إلى عدد من أبناء الحي المنحدرين من عائلات بارزة. هذه التطورات جعلت كثيرين يصفون الحملة بأنها محاولة لتصفية الحسابات الداخلية أكثر من كونها عملية أمنية تستهدف تنظيماً متطرفاً.
المؤشرات الحالية تدل على أن قسد تسعى إلى تعزيز قبضتها الأمنية في مناطق نفوذها، خاصة بعد تزايد التوترات الاجتماعية والاحتقان الشعبي. ويبدو أن السلطات هناك باتت تعتمد على استراتيجية "الوقاية الاستباقية" من خلال استهداف الأصوات المعارضة ووصمها بالارتباط بداعش، في خطوة تهدف إلى ردع أي حراك محتمل ضدها. هذه السياسة، وفق ما يتناقله الأهالي، قد تؤدي إلى المزيد من فقدان الثقة بين المجتمع المحلي وقسد، وربما إلى تأجيج التوترات بدلاً من احتوائها.
في المقابل، فإن امتناع التحالف الدولي عن المشاركة في العملية قد يحمل رسالة سياسية مبطنة. فغياب الغطاء الدولي يُفقد الحملة الكثير من المصداقية، ويجعلها تبدو وكأنها خطوة منفردة لا تحظى باعتراف الشركاء الدوليين. كما أن هذا الموقف قد يشير إلى تحفظات لدى التحالف بشأن استخدام شعار مكافحة داعش كغطاء لملاحقة الخصوم السياسيين.
من المرجح أن تستمر قسد في شن حملات مشابهة خلال الفترة المقبلة، سواء عبر عمليات محدودة تستهدف ناشطين ومعارضين، أو من خلال حملات موسعة في مدن وأرياف أخرى شمال شرقي سوريا. وفي كل الأحوال، يبدو أن المشهد الأمني يتجه نحو مزيد من التعقيد، حيث يتداخل البعد الأمني مع السياسي والاجتماعي، في منطقة تعيش منذ سنوات تحت ضغط الصراعات المتشابكة.
الحملة الأخيرة في الحسكة تكشف بوضوح عن معضلة أعمق: كيف يمكن لقوة محلية أن تحافظ على شرعيتها أمام سكانها، في ظل اعتمادها على إجراءات أمنية صارمة تثير الشكوك أكثر مما تمنح الاطمئنان؟ وما إذا كان غياب التحالف هذه المرة مجرد حالة استثنائية أم بداية لتحول في الموقف الدولي تجاه ممارسات قسد؟ أسئلة مفتوحة تبقى عالقة بانتظار ما ستسفر عنه التطورات القادمة.