لم يكن حضور جوليا روبرتس أو جورج كلوني وإيما ستون على السجادة الحمراء كافياً ليكونوا هم محور الاهتمام في مهرجان البندقية السينمائي هذا العام. فبينما كانت الكاميرات تستعد لالتقاط بريق النجوم، خطف آلاف المتظاهرين الأضواء عندما احتشدوا في جزيرة ليدو، رافعين أعلام فلسطين ولافتات تندد بالحرب على غزة.
المشهد بدا استثنائياً لمهرجان اعتاد أن يكون عنواناً للاحتفاء بالفن السابع، إذ تحولت الشوارع المحيطة بصالات العرض إلى ساحة احتجاج ضخمة دعت إليها منظمة Venice4Palestine، وهي مجموعة من سينمائيين إيطاليين ودوليين. قبل أيام فقط، كانت هذه المجموعة قد نشرت رسالة مفتوحة طالبت فيها إدارة المهرجان بموقف صريح اعتراضاً على "الدمار والمعاناة التي تسببت بها الحملة العسكرية الإسرائيلية".
الاحتجاج ألقى بظلاله على أجواء الافتتاحيات التي عادة ما تكون احتفالية بحتة.
فقد سار آلاف الأشخاص في مسيرة امتدت على طول الجزيرة، فيما علت الهتافات مطالبة بوقف القصف وإدانة ما يحدث في غزة، وبين الحشود، برزت أصوات شبابية مثل الطالبة المحلية إميليا دانيانو، التي حملت لافتة في مقدمة المسيرة قائلة: "اليوم، في ليدو فينسيا، يتجمع الأثرياء للاحتفاء بالسينما، بينما هناك قضية أكثر جوهرية تستحق أن يسمعها العالم".
ولم يقتصر المشهد على الجمهور والناشطين، إذ اختار بعض السينمائيين الانضمام للمظاهرة. الممثل الإيطالي روبرتو زيفيتي كان بينهم، وهو الذي حضر المهرجان أصلاً كجزء من طاقم ثلاثة أفلام، بينها الدراما السياسية لا جراتسيا التي عُرضت لأول مرة، مشاركته حملت رمزية خاصة، كونها تذكيراً بأن السينما والسياسة لا ينفصلان دائماً، وأن المنصات الثقافية الكبرى يمكن أن تتحول بسرعة إلى ميادين للتعبير عن قضايا إنسانية.
التحرك في ليدو بدا كأنه إعادة تعريف لدور المهرجانات الدولية. فبدلاً من أن تبقى مجرد فضاء لاستعراض الإنتاجات الفنية الجديدة، أصبحت أيضاً منبراً للتفاعل مع الأحداث العالمية. الرسالة التي أراد المتظاهرون إيصالها واضحة: لا يمكن للفن أن يتجاهل المآسي الإنسانية، حتى وإن كانت السجادة الحمراء مفروشة لاستقبال أبرز نجوم هوليوود.
وهكذا، ولأول مرة منذ سنوات طويلة، لم تكن الأحاديث في أروقة المهرجان محصورة بمستوى الأفلام أو أسماء المخرجين، بل امتدت لتشمل الموقف من حرب لا تزال تحصد أرواح الفلسطينيين في غزة. وكأن مهرجان البندقية هذا العام قدّم عرضاً موازياً، لم يكن مدرجاً في برنامجه الرسمي، لكنه حمل وزناً لا يقل تأثيراً عن أي فيلم معروض على شاشاته.