الإعلام الغربي يبرّر العدوان الإسرائيلي على لبنان

2025.08.30 - 05:33
Facebook Share
طباعة

كشف تحقيق موسّع لموقع "مصدر عام" عن تورط عدد من المؤسسات الإعلامية الغربية الكبرى، بما فيها واشنطن بوست وبي بي سي ونيويورك تايمز ووول ستريت جورنال ورويترز وأسوشييتد برس، في إضفاء الشرعية على العدوان الإسرائيلي على لبنان، عبر تبني روايات قوات الاحتلال ونقلها دون أي تدقيق أو مساءلة، متجاهلة الضحايا المدنيين وتجريدهم من إنسانيتهم.

 

يشير التحقيق إلى أن هذه المؤسسات شاركت في جولات ميدانية نظّمها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان خلال أكتوبر 2024، رافق خلالها صحافيون غربيون قوات الاحتلال لمشاهدة العمليات العسكرية الميدانية عن كثب. وقد أظهرت التغطيات التي نشرت بعد هذه الجولات اعتماداً شبه كامل على البيانات العسكرية الإسرائيلية، مع تجاهل السياق التاريخي والسياسي للأحداث، ما جعل معظم التقارير أقرب إلى دعاية دعائية للجيش الإسرائيلي، لا صحافة مستقلة.

 

المرافقة العسكرية: تاريخ طويل وأدوات دعائية

ظاهرة "المرافقة العسكرية" (embedding) ليست جديدة، بل تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر خلال الحروب الأمريكية المكسيكية والحرب الأهلية الأمريكية، لكنها اتخذت أبعاداً جديدة في القرن العشرين، خصوصًا خلال حرب فيتنام. حينها، اكتشف القادة الأمريكيون أن السماح للإعلام بتغطية الحرب بحرية قد يضعف الدعم الشعبي، فبدأت سياسة السيطرة على الصحافيين.

 

تطورت الظاهرة لاحقاً إلى ما يعرف في غزو العراق عام 2003، حيث أدمج الجيش الأمريكي مئات الصحافيين ضمن وحداته العسكرية، ما ساعد على إنتاج سردية عسكرية موحدة تغطي على الانتهاكات وتضع المقاومة في موقع المشكلة. وقد أكّد خبراء أن هذا النمط أعاد نفسه في العدوان الإسرائيلي على لبنان، حيث رافق الصحافيون القوات المهاجمة في جولاتها على القرى الجنوبية، من دون إمكانية الوصول إلى مصادر مستقلة أو تقديم تحليلات نقدية، مما أدى إلى اختفاء أصوات المدنيين والضحايا من التغطية.

 

استهداف الصحافيين المحليين والميدانيين

لم يقتصر التحدي على تحييد الإعلام الغربي، بل شمل استهداف الصحافيين المحليين والميدانيين. فقد قتلت القوات الإسرائيلية خلال 22 شهراً، أكثر من 246 صحافياً فلسطينياً في غزة، كما قُتل مصورون ومراسلون لبنانيون في جنوب لبنان، بينهم المصورون من وكالات رويترز والميادين والمنار. وقد أظهرت هذه الحوادث أن التغطية الإعلامية المرافقة كانت محمية بدرجة كبيرة من الجيش، بينما تعرّض من يخرج عن السياق لتهديد مباشر.

 

الرقابة العسكرية والذاتية

أبرز التحقيق أن الصحافيين الغربيين الذين رافقوا الاحتلال خضعوا لرقابة عسكرية مشددة، تضمنت توقيع وثائق والتزام نشر ما يُسمح به فقط، إضافة إلى رقابة ذاتية داخل المؤسسات الإعلامية. وقد نتج عن ذلك تغطيات متجانسة تتجنب أي سياق سياسي أو اجتماعي أوسع، وتعكس بشكل شبه كامل رواية الجيش الإسرائيلي حول "الخطر الذي يشكله حزب الله"، أو تصوير المقاومة الفلسطينية والإسلامية على أنها تهديد يستوجب التدخل العسكري.

 

أزمة الثقة والإخفاق المهني

يؤكد خبراء الإعلام أن هذه الممارسات تعكس أزمة مهنية طويلة منذ "الحرب العالمية على الإرهاب"، حيث أصبحت وسائل إعلام غربية كبرى أداة لإعادة إنتاج خطاب القوة العسكرية، بدل تقديم تحليلات مستقلة. ويشير التحقيق إلى أن هذه التغطيات عززت من حالة فقدان الثقة بين الجمهور والمؤسسات الصحافية، وخلقت نقاشاً واسعاً حول حدود الالتزام الصحافي والحاجة إلى التوازن بين الوصول الميداني والتحقق المستقل من الوقائع.

 

خلاصة

يشير التحقيق إلى أن التغطية الإعلامية الغربية في الحرب على لبنان لم تقتصر على نقل الأخبار، بل ساهمت في تبرير العدوان، وإخفاء معاناة المدنيين، وتقديم الرواية الإسرائيلية كمرجعية وحيدة. ويعد هذا تحذيراً واضحاً من مخاطر خلط التغطية الصحافية بالرقابة العسكرية والدعاية، وحاجة الإعلام الدولي إلى مراجعة ممارساته لضمان نقل الأخبار بمصداقية وحياد.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 4