لأول مرة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موقف بلاده الرسمي بشأن المجازر التي ارتكبتها الدولة العثمانية ضد الأرمن والآشوريين واليونانيين في بداية القرن العشرين، بعد صمت طويل دام عقوداً ، القرار يأتي في وقت تتسم فيه العلاقات بين إسرائيل وتركيا بالتوتر، خاصة بعد الهجمات على جنوب إسرائيل من قطاع غزة في أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن مقتل المئات واحتجاز عشرات الرهائن.
التأخير الطويل في التعاطي مع هذه القضية يعكس المخاوف الإسرائيلية من إحداث توتر دبلوماسي مع أنقرة، القوة الإقليمية المؤثرة، والتي لطالما شكلت شريكًا اقتصاديًا وأمنيًا. وفق صحف عبرية، هذه الخطوة جاءت بعد دراسة دقيقة للعلاقات الإقليمية والضغط المتزايد على إسرائيل للتعامل مع أحداث القرن الماضي بطريقة رسمية، مع مراعاة الواقع السياسي الحالي.
خلال مقابلة إعلامية أوضح نتنياهو أن إسرائيل لم تصدر أي قرار رسمي من الكنيست حول المجازر، رغم أن بعض التصريحات السابقة لمسؤولين إسرائيليين ألمحت إلى إدراك الدولة لهذه الأحداث التاريخية. الصحف العبرية أشارت إلى أن هذه الخطوة تأتي لتسليط الضوء على مأساة الأرمن، لكنها ترتبط أيضًا بالمصالح الدبلوماسية والضغط الخارجي على الدولة.
السياق التاريخي يلعب دورًا مهمًا، تجربة اليهود خلال الهولوكوست دفعت إسرائيل لتجنب المقارنات بين معاناتها ومآسي شعوب أخرى، حفاظًا على مكانتها الأخلاقية. ومع ذلك، يرى محللون أن الإعلان الأخير يعكس قدرة إسرائيل على تعديل مواقفها وفق التحولات الإقليمية، مع التركيز على الأبعاد الأخلاقية تجاه الضحايا.
كذلك نقلت وسائل الإعلام العبرية أن محاولات إدراج أحداث المجازر ضمن المناهج التعليمية أو تخصيص يوم رسمي للذكرى واجهت عقبات سياسية ودبلوماسية كبيرة، وأن التصويت النهائي في الكنيست لم يُجر، ما يعكس الحذر الشديد داخل السياسة الداخلية.
الخطوة تأتي ضمن سياق البحث عن موازنة بين الالتزام الأخلاقي والمصالح الاستراتيجية، لكنها لم تتضمن إجراءات ملموسة لدعم الضحايا.
التوقيت السياسي لهذا الاعتراف يحمل دلالات واضحة، منها تصاعد التوتر مع تركيا بعد دعم أنقرة لحماس في الهجوم الأخير على جنوب إسرائيل شكّل عامل ضغط إضافي على القيادة الإسرائيلية.
يمكن اعتبار الإعلان رسالة رمزية لإعادة ضبط العلاقات الدبلوماسية، دون تغيير حقيقي في السياسة الداخلية تجاه حقوق الأرمن.
نتنياهو فتح المجال أمام نقاشات داخلية حول مسؤولية الدولة تجاه ضحايا المجازر الجماعية وتعليم الأجيال القادمة الأحداث التاريخية الكبرى.
وفق المصادر العبرية، القرار الأخير يعزز القدرة على الموازنة بين الالتزام الأخلاقي والمصالح الإقليمية، ويضع إسرائيل ضمن مجموعة قليلة من الدول التي اتخذت موقفًا رسميًا بهذا الشأن.
من الناحية الداخلية، شهدت إسرائيل محاولات سابقة لتخصيص يوم للذكرى أو إدراج الأحداث ضمن المناهج التعليمية، مثل مبادرة عضو الكنيست أرييه إلداد عام 2011، لكنها لم تحقق تصويتًا نهائيًا. التأخر الطويل في اتخاذ خطوات فعلية يبين السياسة الإسرائيلية تجاه الإبادة الأرمنية كانت محكومة بالاعتبارات السياسية أكثر من الالتزام الأخلاقي.
الدوافع الأخرى للخطوة تتعلق بالحاجة إلى موازنة المصالح الاستراتيجية مع القيم الدولية. القرار يعكس قدرة الدولة على تعديل مواقفها وفق التطورات الإقليمية، مع مراعاة حساسية العلاقات مع تركيا، والحفاظ على دورها الدبلوماسي.
كما أن الرمزية توضح أهمية التذكير بمعاناة الضحايا، لكنها لا تشمل أي خطوات عملية لتحسين وضعهم أو الاعتراف بحقوقهم التاريخية.
في النهاية، نتنياهو سلط الضوء على التناقضات في السياسة الإسرائيلية: موازنة الالتزام الأخلاقي تجاه ضحايا المجازر مع المصالح الإقليمية والدبلوماسية.
موقف إسرائيل تجاه المجازر لن يغير واقع الضحايا، لكنه يفتح نقاشًا مهمًا حول مسؤولية الدولة التاريخية والأخلاقية، ويضعها تحت مراقبة دولية مستمرة بشأن تعاملها مع القضايا الإنسانية الكبرى.