أثار وزير الاقتصاد والصناعة الإسرائيلي نير بركات جدلاً واسعاً بعد تصريحاته التي أطلقها خلال احتفال بالاستيطان في منطقة بنيامين، حيث دعا إلى تفكيك السلطة الفلسطينية وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة، قائلاً: "هذا هو وقت السيادة في يهودا والسامرة، وهذا هو وقت تفكيك السلطة الفلسطينية".
بركات لم يكتفِ بالدعوة إلى إنهاء السلطة، بل تحدث عن ما وصفه بـ"النموذج الإماراتي"، مشيرًا إلى أن الخليل قد تكون نقطة الانطلاق لتجربة بديلة تقوم على تعاون مع وجهاء فلسطينيين يعترفون بإسرائيل ويتعايشون مع المستوطنات. وأضاف: "حان الوقت لتطبيق نموذج الإمارات، وتحديدًا الخليل، وهي قضية نعمل عليها أنا وإسرائيل غانتس بجد بالتعاون مع الحكومة سننجح في تقسيم السلطة الفلسطينية وتفكيكها... وتطبيق نموذج الإمارات الفلسطينية. حان الوقت لدمج اعترافنا الكامل بأراضي يهودا والسامرة في هذا النموذج".
كما نسب بركات إلى بعض شيوخ الخليل قولهم إنهم لا يريدون "السلطة الفاسدة" ويعترفون بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، موضحاً: "إنهم يحاربون الإرهاب ومستعدون للشراكة مع دولة إسرائيل، ليسوا دولة وليس لديهم طموحات وطنية، وهم يعرفون كيف يعيشون إلى جانبنا". وختم الوزير الإسرائيلي بالقول: "لا شك لدي أعلم أن رئيس الوزراء معجب بهذه الفكرة وهذا التوجه برأيي، الأمر يتعلق بالتوقيت والتنسيق وآمل أن نتخذ القرار في أسرع وقت ممكن".
تلك الأقوال تثير أسئلة جوهرية حول دوافعها وسياقها فهي ليست مجرد موقف شخصي لوزير في حكومة الاحتلال، بل تعكس توجهًا متصاعدًا داخل اليمين الإسرائيلي يسعى إلى إلغاء اتفاق أوسلو ونزع الشرعية عن السلطة الفلسطينية باعتبارها كيانًا لم يعد يخدم المشروع الاستيطاني الدعوة تأتي في لحظة سياسية حرجة بالنسبة لإسرائيل بعد السابع من أكتوبر، حيث تبحث الحكومة عن إنجازات ملموسة لاسترضاء جمهورها الداخلي وخاصة المستوطنين الذين يطالبون بتسريع الضم وتوسيع الاستيطان.
من ناحية أخرى، يربط بركات مبادرته بما وصفه بـ"تسونامي سياسي" متوقع في الأمم المتحدة نهاية سبتمبر، في إشارة إلى الضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل بسبب جرائمها في غزة وتوسع الاستيطان.
حديثه عن أصوات فلسطينية قد تعترف بإسرائيل محاولة استباقية لتقويض أي مساعٍ دولية لإعادة إحياء حل الدولتين، عبر الإيحاء بأن الفلسطينيين أنفسهم لا يريدون السلطة القائمة بهذا الشكل يحاول الاحتلال أن يحوّل الأزمة الدولية إلى فرصة لتسويق نموذج جديد عنوانه "سلام اقتصادي" قائم على الامتيازات بدل الحقوق الوطنية.
السبب الأعمق وراء تصريحات بركات يتمثل في الرغبة بتفكيك الهوية الوطنية الفلسطينية ذاتها فالنموذج الذي يقترحه لا يمنح الفلسطينيين سيادة ولا استقلالًا، بل يعيد إنتاج تجربة "الإدارة المدنية" في سنوات الاحتلال المباشر، أي إدارة محلية محدودة تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل المشروع لا يستهدف فقط إلغاء السلطة، بل يسعى إلى خلق واجهات فلسطينية بديلة تخضع للاحتلال وتُقدّم للعالم بوصفها "الشريك الحقيقي".
ورغم محاولات الاحتلال فرض هذه الصيغ الجديدة، يبقى واضحاً أن الشعب الفلسطيني متمسك بحقوقه الثابتة في الحرية والاستقلال، وأن أي بدائل مطروحة خارج إطار التحرر الوطني ستواجه بالرفض والمقاومة.
ولذلك فإن دعوة بركات لا تعكس سوى سياسة ممنهجة للضم وتصفية القضية، قد تؤجلها الحسابات الدولية لكنها ستظل تكشف جوهر المشروع الإسرائيلي القائم على نفي الآخر واحتكار الأرض والسيادة.