تشهد لبنان أزمة متصاعدة تتعلق بانتشار المخدرات، حيث كشفت التطورات الأخيرة عن زيادة ملموسة في عدد المدمنين، ما يعكس تحديًا خطيرًا على الشباب والمجتمع بأكمله. في الوقت نفسه، نفذت القوى الأمنية اللبنانية عمليات نوعية ضد تجار المخدرات والمصانع، كان آخرها تصفية مطلوبين بارزين من بينهم شخصية يُشار إليها باسم "أبو سلّة"، الذي كان يُدير شبكة معقدة لتجارة المخدرات ويشكل تهديدًا مباشرًا على الشباب اللبناني.
تعتبر هذه العمليات خطوة مهمة نحو احتواء الأزمة، لكنها في الوقت ذاته تُظهر حجم التحدي الكبير الذي يواجه لبنان في مكافحة شبكات المخدرات المنظمة. فقد أشارت المصادر الأمنية إلى تزايد ملحوظ في ترويج وتعاطي المخدرات، وهو ما يعكس وجود خطة ممنهجة لضرب فئات الشباب، سواء عبر الإغراءات المالية أو توجيههم نحو أسواق المخدرات غير القانونية. هذه الظاهرة لا تهدد الصحة العامة فحسب، بل تمتد لتؤثر على الاستقرار الاجتماعي، إذ تساهم في ارتفاع معدلات الجريمة والانحراف، بما يضع لبنان أمام تحديات أمنية مزدوجة.
من جهة أخرى، تواصل السلطات الأمنية ضبط كميات هائلة من المخدرات والمستودعات التي تحتوي على مئات ملايين الحبوب. فعملية واحدة أدت إلى ضبط 52 مليون حبة كبتاغون، ما يعكس قدرة شبكات التهريب على الوصول إلى عمق المجتمع اللبناني. هذا الرقم يوضح حجم المشكلة ويؤكد أن مكافحة المخدرات تتطلب استراتيجية طويلة المدى تجمع بين الحزم الأمني، الرقابة على الحدود، والتوعية المجتمعية للحد من الطلب على هذه المواد.
التعاون الإقليمي كان عنصرًا أساسيًا في نجاح العمليات الأمنية الأخيرة. فقد لعبت الدول العربية الشقيقة دورًا محوريًا من خلال تقديم معطيات دقيقة عن شبكات المخدرات، ما ساعد على توجيه ضربات نوعية لتجار الكبتاغون والمصانع المرتبطة بهم. هذا التعاون أظهر أن لبنان قادر على الالتزام بتعهداته الدولية لمكافحة المخدرات، بما يشمل منع تهريبها من الأراضي اللبنانية إلى دول الخليج والعالم، لكنه في الوقت نفسه يسلط الضوء على هشاشة الرقابة الداخلية وأهمية تعزيز القدرات المحلية لمواصلة هذه الحملات بنجاح.
تشير هذه التطورات إلى أن معركة لبنان ضد المخدرات لن تنحصر في العمليات الأمنية فقط. فهي تحتاج إلى مقاربة شاملة تتضمن التوعية المجتمعية، دعم الشباب بمبادرات بديلة وإيجابية، وتعزيز الإطار القانوني لمكافحة المخدرات، بما في ذلك تشديد العقوبات على التجار والمروجين. بدون هذه الجهود المتكاملة، ستظل شبكات المخدرات قادرة على التوسع واستغلال الفراغ الأمني والاجتماعي، ما يفاقم الأزمة ويهدد الجيل الجديد.
إضافة إلى ذلك، تبرز الحاجة إلى متابعة المستودعات والمصانع بشكل دوري، لضمان عدم إعادة تعبئة الأسواق المحلية والإقليمية بالمواد المخدرة. فالعمليات الأخيرة كانت مهمة، لكنها لا تمثل الحل النهائي، إذ أن القضاء على هذه الظاهرة يحتاج إلى استمرار الحملات الأمنية والتعاون الدولي والالتزام المجتمعي بمكافحة انتشار المخدرات على كل المستويات.
ختامًا، تزايد المخدرات في لبنان يعكس تهديدًا حقيقيًا للشباب والمجتمع، لكنه أيضًا يكشف عن جهود مؤثرة للجيش والقوى الأمنية. المستقبل يعتمد على الاستمرارية في هذه الحملات، تعزيز التعاون الإقليمي، وتفعيل البرامج التوعوية والاجتماعية، لضمان حماية الأجيال القادمة وإيقاف خطر المخدرات قبل أن يتحول إلى أزمة أكبر تهدد الاستقرار الاجتماعي والصحي في البلاد.