لبنان: تهريب الأدوية وخطر العبث بالصحة

جوسلين معوض

2025.08.27 - 12:27
Facebook Share
طباعة

 في حادثة جديدة تعكس هشاشة الرقابة على الحدود اللبنانية، تم ضبط كمية كبيرة من الأدوية التركية المهربة في منطقة البقاع الغربي، معظمها من الأدوية المخدرة التي تُستخدم في العمليات الجراحية. وقد تم تسليم هذه الكمية إلى مصلحة الصحة لمتابعة الإجراءات القانونية والطبية اللازمة. لكن هذا الحادث يسلط الضوء على مشكلة أوسع وأكثر خطورة، تتعلق بتهريب الأدوية وتهديد الصحة العامة في لبنان.

تظهر هذه الواقعة مدى هشاشة آليات الرقابة على الحدود، حيث يستغل المهربون الفراغ القانوني ونقص التنسيق بين الجهات المعنية لترويج أدوية غير قانونية، قد تكون منتهية الصلاحية أو غير مطابقة للمعايير الطبية. الأدوية المخدرة تحديدًا تحمل مخاطر مضاعفة، إذ يمكن استخدامها بشكل غير قانوني، ما يفتح باب الجرائم المنظمة والتعاطي غير المشروع، ويضع الأمن الصحي اللبناني في مأزق حقيقي.

التهريب لا يقتصر على المخدرات فحسب، بل يشمل أدوية أساسية قد تُستخدم في العمليات الجراحية وعلاج الأمراض المزمنة. أي تداول غير منظم لهذه الأدوية يزيد من احتمالات التعرض لمشاكل صحية حادة، مثل العدوى، التسمم، أو فشل الأدوية في تحقيق النتائج العلاجية المطلوبة. وفي حالات الطوارئ، يمكن أن يؤدي الاعتماد على أدوية مهربة إلى تعقيد الإجراءات الطبية، ما يعرض حياة المرضى للخطر.

تأتي هذه الأزمة في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعاني منها لبنان، حيث ارتفاع أسعار الأدوية ونقصها يدفع بعض المستهلكين والمستشفيات إلى اللجوء إلى السوق السوداء للحصول على الأدوية الضرورية. هذه المعادلة تجعل عملية ضبط الأدوية المهربة صعبة، إذ تتداخل المخاطر الصحية مع ضغوط اجتماعية واقتصادية، ويصبح التحدي مزدوجًا: حماية صحة المواطنين وضمان توفر الدواء القانوني بأسعار معقولة.

من الناحية القانونية، يشكل تهريب الأدوية انتهاكًا صارخًا للقوانين الوطنية والدولية المتعلقة بالسلامة الصحية. المخالفون قد يواجهون عقوبات مالية وسجنية، إلا أن المشكلة الأوسع تكمن في قدرة الدولة على مراقبة الحدود ومكافحة شبكات التهريب المنظمة، التي غالبًا ما تعمل عبر طرق سرية يصعب مراقبتها. كل تأخر في التشدد الرقابي يزيد من انتشار هذه الأدوية، ويضاعف المخاطر على الصحة العامة والأمن المجتمعي.

إضافة إلى المخاطر الصحية والقانونية، تهريب الأدوية يضعف ثقة المواطنين بالمؤسسات الرسمية ويعزز الاقتصاد الموازي، ما يخلق حلقة مفرغة من الفساد وانعدام الشفافية. المستشفيات والصيدليات قد تواجه صعوبة في التمييز بين الأدوية القانونية والمهربة، ما يهدد جودة الخدمات الطبية ويضع المسؤولين أمام اختبار حقيقي في فرض الرقابة والرقابة الذاتية.

على المستوى الأمني، يمكن أن يرتبط تهريب الأدوية بنشاطات غير قانونية أكبر، بما في ذلك تجارة المخدرات وتمويل شبكات تهريب أخرى. الأدوية المخدرة، إذا خرجت من نطاق المستشفيات، تصبح سلعة يمكن استغلالها في السوق السوداء، ما يزيد من المخاطر الاجتماعية ويضاعف احتمال وقوع الجرائم. هذا الأمر يوضح أن التهريب الصحي ليس مجرد مشكلة اقتصادية، بل تهديد متعدد الأبعاد يشمل الصحة، الأمن، والاستقرار الاجتماعي.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 1